29 نوفمبر 2016
إنهم يحرقون مصر
خاطب عبد الفتاح السيسي، قبل شهور، المجهول ليسألهم (إنتو مين)، وبعدها بأشهر قليلة وجه إليهم رسالة أخرى، مفادها أن أي محاولة لزعزعته من على عرش مصر ستنتهي بضياع مصر، فتصبح غير صالحةٍ للاستخدام الإنساني، حيث قال نصاً (الدولة مش هتنفع لينا ولا لغيرنا، لو حالة الدولة اتهزت وبقت في خطر أنا بكرّر مش هتنفع ولا لينا ولا لغيرنا). وفي الوقت نفسه، أرسل رسالة إلى من تسوّل له نفسه من الشعب الخروج في مظاهراتٍ للمطالبة بالحقوق، أو لرفض القمع، إن لدى الجيش خطة لانتشار قواته في جميع محافظات الجمهورية في ست ساعات، أي مسافة السكة التي يجيدها العسكر حقاً.
عليك أن تتذكّر ذلك جيداً، عندما ترى أن هناك دعوات مجهولة المصدر(ربما المجهول نفسه الذي يخاطبه السيسي) للخروج يوم أمس (11 نوفمبر/ تشرين الثاني) لثورة الجياع أو ثورة الغلابة، فلا يقابلها الانقلاب بتخفيف إجراءات التقشف أو تأجيل انهيار العملة رسمياً، والذي يطلق عليه مجازاً تعويمها وطال انتظاره شهوراً، فلا ضير إذا تم تأخيره أياماً، ولكن النظام الحاكم سارع بتلك الإجراءات ليفقد الجنيه كثيراً من قيمته، مع رفع الدعم عن المحروقات في اليوم نفسه، لترتفع كل الأسعار تقريباً، في صورةٍ فجة للضغط على الفقراء، بكل ما يستطيع الانقلاب من قوةٍ، مع تغطيةٍ أمنيةٍ بزرع مناخ الإرهاب والمتفجرات والاغتيالات الواقعة والمحتملة، وهذه ما تسمى سياسة الأرض المحروقة، بمعنى إيجاد أزماتٍ مزمنة و(إحراق) أي شيء قد يستفيد منه العدو عند التقدّم. ويؤمن العسكر بنظرية (الشعب العدو)، حتى لو كان المواطن الضحية، فالمهم أن تصبح شبه الدولة (لا تنفع لينا ولا لغيرنا) كما بشّر قائد الانقلاب. وما دمنا في حكم العسكر والأطراف المتصارعة تعمل بالنهج نفسه، فليس من المستبعد استخدام تلك الاستراتيجيات المدمرة، والخوف أن يستخدم الطرف الآخر المجهول سياساتٍ أشدّ فتكاً بالوطن والمواطن، من أجل الفوز بكعكة الوطن المسلوب.
ويضع النظام بهذه السياسة أمامه فرضيتين، أولاهما نجاح ثورة الغلابة، وتمكّن القوى المجهولة التي يهددها السيسي، وعندها ستجد بيئة اقتصادية منهارة وبلاداً تضخمت ديونها، ومشكلات مزمنة تستعصي على الحل، بالإضافة إلى زيادة القابعين تحت خط الفقر، وأزمة سياسية تحتاج إلى حلول، أهمها المطالبة بابتعاد العسكر وتواريهم عن الحكم، والعودة إلى المسار الديمقراطي، وتحديداً إلى ما قبل 30 يونيو/حزيران 2013، والثانية أن تفشل تلك الدعوات، وبهذا يكون العسكر قد نجحوا مؤقتاً بتمرير إجراءات التقشف وسياسات التجويع، ولا يعني ذلك بأي حال استقرار الأوضاع في المستقبل.
مؤكد أن القوى الإقليمية والعالمية ليست بعيدة عن الأحداث، فها هي المملكة العربية السعودية توقف توريد شحنات البترول عن مصر للشهر الثاني على التوالي، كما أن ظهور محمد البرادعي المفاجئ في بيان الاعتراف، ثم مطالباته بإلغاء قانون التظاهر والإفراج عن بعض السجناء، ثم مهاجمته للإعلاميين الموالين للنظام والمنفذين لأوامر (صاحب الليلة) كما أطلق عليه، قد يكون مشهداً من المعركة المكتومة.
والتساؤل المشروع إلى متى ستظل أطياف الثورة منقسمة، تتصارع على الوهم بعيداً عن المعركة الحقيقية، تاركة الساحة للعسكر يتقاسمون الفريسة، ويتصارعون عليها؟ وإلى متى سيظل الشعب رقماً لا يعبأ به أحد إلا وسيلة تستخدمها القوى المختلفة من خلال أذرعها الإعلامية، لتحقيق أهداف قصيرة وقاصرة؟ يخسر في هذا المشهد العبثي الجميع، ما عدا القابع على الحكم المستمتع بالتبعثر وتمحور القوى الثورية حول نفسها.
فإذا ما حدث ما يتوقعه بعضهم من انتفاضة عارمة للشعب ضد الفقر، وبدأت بالفعل ثورة الجياع من دون قيادة لها تحدّد أهدافها ومطالبها، فستحدث فوضى عارمة يكون المستفيد الأكبر منها العسكر، وقد يقول قائل إن ثورة يناير تمت أيضاً بلا قيادة، ولكن هذا قياس مع الفارق، فقد كان هناك حياة سياسية وهامش من الحرية ولو ضئيلا، أما الآن فالسجون تمتلئ بكل أطياف القوى السياسية.
خروج الشعب في ثورة من أجل لقمة العيش مسألة وقت، وأن نظام الانقلاب في مصر بات يفقد كل يوم رافداً من روافد التنفس الصناعي الذي يعيش عليه، نتيجة الفشل المتتالي في إدارة كل الملفات، لكن المهم حقاً هو كيف يتم إنقاذ مصر قبل حرق ما تبقى من زرع؟ وهل سيظل المعسكر المناهض للانقلاب في وضعية رد الفعل والمشاهدة، والبحث عن غنائم واهية، أم يبادر إلى حمل الراية والاصطفاف والاعتراف للشعب بالسيادة؟
عليك أن تتذكّر ذلك جيداً، عندما ترى أن هناك دعوات مجهولة المصدر(ربما المجهول نفسه الذي يخاطبه السيسي) للخروج يوم أمس (11 نوفمبر/ تشرين الثاني) لثورة الجياع أو ثورة الغلابة، فلا يقابلها الانقلاب بتخفيف إجراءات التقشف أو تأجيل انهيار العملة رسمياً، والذي يطلق عليه مجازاً تعويمها وطال انتظاره شهوراً، فلا ضير إذا تم تأخيره أياماً، ولكن النظام الحاكم سارع بتلك الإجراءات ليفقد الجنيه كثيراً من قيمته، مع رفع الدعم عن المحروقات في اليوم نفسه، لترتفع كل الأسعار تقريباً، في صورةٍ فجة للضغط على الفقراء، بكل ما يستطيع الانقلاب من قوةٍ، مع تغطيةٍ أمنيةٍ بزرع مناخ الإرهاب والمتفجرات والاغتيالات الواقعة والمحتملة، وهذه ما تسمى سياسة الأرض المحروقة، بمعنى إيجاد أزماتٍ مزمنة و(إحراق) أي شيء قد يستفيد منه العدو عند التقدّم. ويؤمن العسكر بنظرية (الشعب العدو)، حتى لو كان المواطن الضحية، فالمهم أن تصبح شبه الدولة (لا تنفع لينا ولا لغيرنا) كما بشّر قائد الانقلاب. وما دمنا في حكم العسكر والأطراف المتصارعة تعمل بالنهج نفسه، فليس من المستبعد استخدام تلك الاستراتيجيات المدمرة، والخوف أن يستخدم الطرف الآخر المجهول سياساتٍ أشدّ فتكاً بالوطن والمواطن، من أجل الفوز بكعكة الوطن المسلوب.
ويضع النظام بهذه السياسة أمامه فرضيتين، أولاهما نجاح ثورة الغلابة، وتمكّن القوى المجهولة التي يهددها السيسي، وعندها ستجد بيئة اقتصادية منهارة وبلاداً تضخمت ديونها، ومشكلات مزمنة تستعصي على الحل، بالإضافة إلى زيادة القابعين تحت خط الفقر، وأزمة سياسية تحتاج إلى حلول، أهمها المطالبة بابتعاد العسكر وتواريهم عن الحكم، والعودة إلى المسار الديمقراطي، وتحديداً إلى ما قبل 30 يونيو/حزيران 2013، والثانية أن تفشل تلك الدعوات، وبهذا يكون العسكر قد نجحوا مؤقتاً بتمرير إجراءات التقشف وسياسات التجويع، ولا يعني ذلك بأي حال استقرار الأوضاع في المستقبل.
مؤكد أن القوى الإقليمية والعالمية ليست بعيدة عن الأحداث، فها هي المملكة العربية السعودية توقف توريد شحنات البترول عن مصر للشهر الثاني على التوالي، كما أن ظهور محمد البرادعي المفاجئ في بيان الاعتراف، ثم مطالباته بإلغاء قانون التظاهر والإفراج عن بعض السجناء، ثم مهاجمته للإعلاميين الموالين للنظام والمنفذين لأوامر (صاحب الليلة) كما أطلق عليه، قد يكون مشهداً من المعركة المكتومة.
والتساؤل المشروع إلى متى ستظل أطياف الثورة منقسمة، تتصارع على الوهم بعيداً عن المعركة الحقيقية، تاركة الساحة للعسكر يتقاسمون الفريسة، ويتصارعون عليها؟ وإلى متى سيظل الشعب رقماً لا يعبأ به أحد إلا وسيلة تستخدمها القوى المختلفة من خلال أذرعها الإعلامية، لتحقيق أهداف قصيرة وقاصرة؟ يخسر في هذا المشهد العبثي الجميع، ما عدا القابع على الحكم المستمتع بالتبعثر وتمحور القوى الثورية حول نفسها.
فإذا ما حدث ما يتوقعه بعضهم من انتفاضة عارمة للشعب ضد الفقر، وبدأت بالفعل ثورة الجياع من دون قيادة لها تحدّد أهدافها ومطالبها، فستحدث فوضى عارمة يكون المستفيد الأكبر منها العسكر، وقد يقول قائل إن ثورة يناير تمت أيضاً بلا قيادة، ولكن هذا قياس مع الفارق، فقد كان هناك حياة سياسية وهامش من الحرية ولو ضئيلا، أما الآن فالسجون تمتلئ بكل أطياف القوى السياسية.
خروج الشعب في ثورة من أجل لقمة العيش مسألة وقت، وأن نظام الانقلاب في مصر بات يفقد كل يوم رافداً من روافد التنفس الصناعي الذي يعيش عليه، نتيجة الفشل المتتالي في إدارة كل الملفات، لكن المهم حقاً هو كيف يتم إنقاذ مصر قبل حرق ما تبقى من زرع؟ وهل سيظل المعسكر المناهض للانقلاب في وضعية رد الفعل والمشاهدة، والبحث عن غنائم واهية، أم يبادر إلى حمل الراية والاصطفاف والاعتراف للشعب بالسيادة؟