خريطة جديدة للاستثمارات الأجنبية في قطر

06 يناير 2018
تنويع الاقتصاد عبر تنشيط قطاعات منها السياحة والتجارة(العربي الجديد)
+ الخط -
في نقلة نوعية، أقرت الحكومة القطرية قانون تنظيم الاستثمار الأجنبي والذي يسمح بتملك الأجانب بنسبة 100% في الكثير من القطاعات، كما قدم تسهيلات واسعة للمستثمرين، ما يساهم في جذب مزيد من رؤوس الأموال وتنشيط الأسواق وإنعاش العديد من المجالات وتحديث خريطة الاستثمارات الأجنبية في البلاد.
وجاء القانون الجديد ضمن حزمة قرارات ومحفزات استثمارية تبنتها الدولة لتنويع الاقتصاد وعدم الاعتماد على النفط والغاز كمصدر رئيس للدخل، ليكون من أبرز ركائز الرؤية الوطنية 2030، وأبرزها إقرار مجلس الوزراء قانون تملك الأجانب للعقارات، يوم 27 ديسمبر/ كانون الأول الماضي.

وكان مجلس الوزراء القطري قد وافق، في جلسته التي عقدها الأربعاء الماضي، على قانون تنظيم الاستثمار الأجنبي في النشاط الاقتصادي بما يجيز لغير القطريين الاستثمار في مجالات البنوك وشركات التأمين، ويحظر عليهم الاستثمار في الوكالات التجارية، كما يتيح للمستثمر الأجنبي التملك بنسبة 100% في غالبية قطاعات الاقتصاد بعدما كانت هذه النسبة لا تزيد عن 49% في القانون السابق.

مجالات مغرية

يفتح القانون الجديد الباب أمام المستثمرين الأجانب للدخول في مجالات عديدة كانت مقيدة في القانون رقم 13 لسنة 2000 بشأن تنظيم استثمار رأس المال الأجنبي في النشاط الاقتصادي، الذي أجاز للأجانب الاستثمار في جميع قطاعات الاقتصاد الوطني، شرط أن يكون لهم شريك أو شركاء قطريون، لا تقل مساهمتهم عن 51% من رأس المال، مع استثناءات بالتملك بقرار من وزير الاقتصاد.
وفي هذا السياق، أكد نائب رئيس غرفة قطر السابق، عبد العزيز العمادي، لـ"العربي الجديد"، أن حزمة القوانين الجديدة التي تتبناها الدولة تأتي في إطار تحديث البنية التشريعية من أجل جذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية وتنشيط الأسواق.

وقال العمادي إن الفترات المقبلة ستشهد تدفقاً في الاستثمارات الأجنبية في الكثير من القطاعات التي أصبحت متاحة للتملك بنسبة 100%، كما ستدفع الكثير من المقيمين إلى ضخ مدخراتهم في الاستثمارات القطرية بدلاً من تحويلها إلى بلدانهم، ما يعود بالفائدة عليهم وعلى اقتصاد البلاد.
وأوضح العمادي أن قانون الاستثمار الجديد سمح بتملك غير القطريين بشكل كامل في استثمارات بمجالات جديدة ومغرية، ومنها البنوك وشركات التأمين بالإضافة إلى الصناعة والسياحة وغيرها، مع استثناءات قليلة.

وكانت وزارة الاقتصاد والتجارة قد أعدت مشروع القانون الجديد بعد دراسة أفضل الممارسات العالمية والإقليمية في هذا الشأن، إذ حددت في المواد من 2 إلى 8 ضوابط استثمار رأس المال غير القطري وهي: أن تتيح الاستثمار في كافة قطاعات الاقتصاد في الدولة، كما أجاز مشروع القانون للمستثمر غير القطري الاستثمار في مجالات (البنوك وشركات التأمين بقرار من مجلس الوزراء، ويحظر عليه الاستثمار في الوكالات التجارية، كما يجوز له الاستثمار في أي مجالات أخرى يصدر بها قرار من مجلس الوزراء).

وألزم مشروع القانون الشركات غير القطرية المرتبطة بتنفيذ عقود أعمال في الدولة بعدة ضوابط، منها استيفاء جميع متطلبات الجهات الحكومية.
وأشار القانون إلى أنه لا تسري أحكام هذا القانون على الشركات والأفراد الذين تسند الدولة إليهم استخراج أو استغلال او إدارة مصادر الثروة الطبيعية، كما لا تسري أحكام القانون على الشركات التي تؤسسها أو تساهم فيها الحكومة وغيرها من المؤسسات والهيئات العامة والشركات التي تساهم فيها الدولة بنسبة لا تقل عن 51% أو بنسبة أقل شرط موافقة مجلس الوزراء بالاشتراك مع مستثمرين غير قطريين، وفقاً لأحكام قانون الشركات التجارية المشار إليه.

ولا تسري أيضاً أحكام القانون على الشركات والأفراد المرخص لهم من قطر للبترول بإجراء أي من العمليات البترولية أو التي تستهدف الاستثمار في قطاع النفط والغاز والصناعات البتروكيمائية.

خريطة جديدة

وتصب توقعات المحللين في اتجاه جذب قانون الاستثمار لرؤوس أموال جديدة، ستغير من خريطة الاستثمارات الأجنبية في قطر.
وفي هذا الإطار، أكد الخبير الاقتصادي أحمد عقل، لـ"العربي الجديد"، أن تملك الأجانب بنسبة 100% في المشروعات سيدفع نحو تنشيط عدد من القطاعات المهمة والحيوية، ما سيغير خريطة الاستثمارات في البلاد والتي تركزت في قطاعات محدّدة سابقاً.

وأضاف عقل أن الإجراءات الجديدة تأتي في إطار التسهيلات التي تسعى الحكومة إلى تقديمها للقطاع الخاص وفي إطار تحسين مناخ الاستثمار لتصبح قطر إحدى أفضل الدول بالمنطقة من حيث التشريعات والتسهيلات الاستثمارية.
وأشار عقل إلى أن قطر أصبحت أكثر دولة في الخليج من حيث الشفافية، كما أنها الأقل فرضاً للضرائب في المنطقة، ما يساهم في استقطاب مزيد من رؤوس الأموال.

وأظهر تقرير للبنك الدولي، في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، أن قطر استطاعت أن تحتل المركز الأول عالمياً في سهولة دفع الضرائب، والـ19 عالمياً في الحصول على تراخيص البناء، والمركز 26 في سهولة تسجيل الملكية، والمركز 65 في الحصول على الكهرباء. ووفقاً للتقرير الصادر عن البنك الدولي بعنوان (ممارسة أنشطة الأعمال 2018 إصلاح لإنشاء وظائف)، فقد حافظت قطر على ترتيبها عالمياً لسهولة ممارسة أنشطة الأعمال لعام 2018، حيث احتلت المركز 83 للعام الثاني على التوالي، بينما تراجعت مصر والسعودية، وحققت الكويت والإمارات تقدماً، بينما حققت دول مثل البحرين وعمان والمغرب وتونس مراكز جيدة عالمياً.

وأكد عقل أن قطاعي الصناعة والسياحة سيصبحان في صدارة اهتمامات المستثمرين الجدد. وأوضح الخبير الاقتصادي أن قوة الاقتصاد القطري واستقراره يعدان عاملا أمان وثقة للمستثمرين، متوقعاً دخول العديد من الشركات العالمية للأسواق المحلية في ظل التشريعات الجديدة.
ورغم بعض القيود التي وضعها القانون القديم للاستثمار الأجنبي في قطر، إلا أن قيمتها بلغت نهاية 2016 حوالي 135.4 مليار ريال (37.2 مليار دولار).

ووفقاً للأرقام الرسمية الصادرة عن وزارة التخطيط التنموي والإحصاء بالتعاون مع مصرف قطر المركزي بتنفيذ المسح الخامس للاستثمار الأجنبي في الدولة لعام 2017، وذلك للسنة المرجعية 2016: فقد تركزت 90% من الاستثمارات الأجنبية المباشرة في عدد من القطاعات الاقتصادية، وهي: أنشطة النفط والغاز وما يرتبط بها من صناعات تحويلية ونقل وتسويق 56% من قيمة الاستثمارات، والتعدين واستغلال المحاجر: 32% من قيمة الاستثمارات، والقطاع المالي والتأمين بنسبة 6%.
وحسب المسح المذكور، فإن 150 شركة أجنبية تمثل استثماراتها 90% من إجمالي الاستثمارات الأجنبية في قطر.
وساهمت أكثر من 60 دولة في رصيد الاستثمار الأجنبي المباشر في قطر وذلك في نهاية عام 2016، حيث استمرت الحصة النسبية لمجموعات الدول الرئيسية الأربع في الارتفاع، إذ شكلت حصتها 93% من إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر في نهاية عام 2016. 
والمجموعات الأربع من الدول الأكثر استثماراً في قطر هي الولايات المتحدة 23%، والاتحاد الأوروبي 29%، والدول الأميركية الأخرى 36%، والدول الآسيوية (بدون دول مجلس التعاون الخليجي) 5%.
ويتوقع مع إقرار القانون الجديد أن تتغير خريطة الاستثمارات الأجنبية المباشرة على المدى البعيد إلى قطاعات جديدة أو التوسع في تملك المشروعات ورفع النسبة إلى 100% في الاستثمارات القائمة في القطاعات الحالية، وخاصة أن القانون أتاح ذلك. كما يتوقع أن يفسح المجال لمجموعات أخرى من الدول للتوسع في الاستثمارات الأجنبية المباشرة في قطر وخاصة مجموعة الدول الآسيوية (من غير دول الخليج).
وطبقاً لتصريحات سابقة للرئيس التنفيذي لمركز قطر للمال يوسف الجيدة، فإن أكثر من 22% من الشركات المرخصة من قبل مركز قطر للمال في العام 2016 هي من منطقة آسيا والمحيط الهادئ.

الانفتاح وكسر الحصار

وستعزّز هذه الخطوة الاقتصاد القطري في مواجهة الحصار الذي تفرضه أربع دول عربية على قطر منذ 7 أشهر، إذ تتأهب الدوحة لاستقطاب المزيد من الاستثمارات وبالتالي تنويع مصادر الدخل.
وكانت كل من السعودية والإمارات والبحرين ومصر أعلنت حصارها للدوحة وإغلاق المنافذ البرية والبحرية والجوية معها في الخامس من يونيو/ حزيران الماضي.
وفي هذا السياق، أكد رجل الأعمال القطري البارز أحمد الخلف، لـ"العربي الجديد"، أن الانفتاح هو أفضل طريق اتبعته قطر من أجل مواجهة الحصار الجائر، مشيراً إلى أن قطر لم تكتف بتعزيز علاقاتها التجارية مع شركائها الاستراتيجيين في مختلف دول العالم، بل استهدفت تنمية اقتصادها الداخلي عبر تشجيع الاستثمارات المحلية والأجنبية.

وأضاف الخلف أن قطر استطاعت خلال الفترات السابقة أن تجذب استثمارات أجنبية في العديد من المجالات بهدف تنويع مصادر الدخل بعد أن كانت الإيرادات تعتمد بشكل رئيسي على الغاز والنفط.
وأظهر تقرير رسمي لوزارة التخطيط التنموي والإحصاء بالتعاون مع مصرف قطر المركزي، ارتفاعاً في قيمة الحسومات (الاستثمارات) لغير المقيمين بنسبة 23%، بما يمثل 144.2 مليار ريال (الدولار = 3.64 ريالات)، حيث ارتفعت من 629.8 مليار ريال إلى 774.0 مليار ريال مع نهاية العام 2016.

وشكلت الاستثمارات الأجنبية الأخرى نسبة 70%، أي ما يعادل 541.6 مليار ريال، متبوعة بالاستثمار الأجنبي المباشر في قطر بمقدار 135.4 مليار ريال، أي ما يعادل 25%، تلتها الاستثمارات في المحافظ المالية بما يعادل 93.2 مليار ريال، بنسبة 12% من إجمالي الحسومات، فيما انخفض رصيد الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى الداخل في نهاية سنة 2016، بمقدار 5.2 مليارات ريال جراء صافي تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة والتغيرات الأخرى التي حصلت خلال السنة.

وفي هذا السياق، أوضح الخلف أن التسهيلات الجديدة للمستثمرين تضاف إلى رصيد الدولة من الإجراءات التي اتخذتها في وقت سابق من أجل استقطاب رؤوس الأموال في العديد من القطاعات.
وتتمتع قطر ببنية تحتية قوية تسعى الحكومة إلى تطويرها استعداداً لاستضافة بطولة كأس العالم 2022، وافتتحت الدولة رسمياً ميناء حمد الدولي وتقوم بتحديث شبكة الطرق والنقل وهي محفزات قوية لجذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية.

المساهمون