صار العالم بحاجة إلى روزنامة خاصة لإحصاء أيام وتواريخ المحرقة السورية. الثلاثاء 4 إبريل/نيسان 2017، تاريخ أسود جديد بتوقيع النظام السوري وداعميه العالميين، وبرسم الصمت العالمي، الرسمي منه والشعبي. تاريخ مجزرة يتحمل مسؤوليتها "المجتمع الدولي" المتفرج والمتباكي على ما يستطيع أن يوقف استمراره لو أراد ذلك.
صباح ذلك اليوم، حصل قصف جوي من مقاتلات النظام السوري، على مدينة خان شيخون في ريف مدينة إدلب بصواريخ محملة غازات سامة من عائلة الأسلحة الكيماوية أو تفرعاتها، يودي بحياة أكثر من 84 شخصاً، 27 طفلاً و19 امرأة، ويصيب 546 آخرين، 54 منهم نقلوا إلى تركيا.
صورة الأطفال بلا دماء، ممددين في نومهم الأبدي، جالت العالم الذي انقسمت وسائل إعلامه إلى معسكرين: إعلاميون من مختلف الجنسيات يكملون مهمة المجرم بعدما لم يعد القتل يعني لديهم إلا مناسبة للرقص فوق القبور من جهة، وآخرون، أيضاً من مختلف بلدان العالم، صدموا بفظاعة صور الجريمة من جهة ثانية وقرروا تسمية القاتل باسمه: بشار الكيماوي.
لكن يبدو أن العالم ينتظر وصول عدد ضحايا حكام سورية وروسيا وإيران إلى الملايين، قبل أن يتحرك. تشهد على ذلك البيروقراطية التي لا تزال تتسم بها مداولات "الدول الكبرى" في مجلس الأمن الدولي وخارجه، حول ما يجدر فعله لإيقاف الجريمة أولاً، والمجرم ثانياً.
في هذا الوقت، يُترك السوريون للافتراس المتواصل، ويُفسح المجال لبروباغاندا إعلامية تفوح منها رائحة الدم لاختراع سرديات تكاد تخلص إلى أن الضحايا السوريين قتلوا أنفسهم في خان شيخون، بينما نظامهم حاول إنقاذهم.
هكذا، تتكرر الأساطير التي حيكت ذات أغسطس/آب 2013 في مدن الغوطة الشرقية التي تعرضت لمجزرة الكيماوي الشهيرة، حيث سقطت خطوط حمراء أخلاقية وضعها باراك أوباما، وحيث تسقط اليوم في خان شيخون كلمات ووعود دونالد ترامب وباقي حكام العالم، كأي ثرثرة لا قيمة لها.