حملات المقاطعة في الجزائر: وسيلة لمواجهة الاحتكار وارتفاع الأسعار

03 يناير 2020
"خليه بالريش" استهدفت مقاطعة الدجاج بعد ارتفاع أسعاره (Getty)
+ الخط -
نشطت في الجزائر، في الآونة الأخيرة، حملات مقاطعة شراء العديد من المنتجات، كرد فعل من المواطنين على القفزات الكبيرة التي شهدتها الأسعار، لا سيما بعد تراجع قيمة الدينار، إضافة إلى تجميد الاستيراد، طيلة سنة 2018.

وأثّر ذلك على كفّتي ميزان العرض والطلب، كما كانت للحملات نتائج إيجابية على الجزائريين، بعدما أثبتت المقاطعة أنّها إحدى وسائل الضغط على الحكومة والتجار على حد سواء.

"خليها تصدي"

كان سوق السيارات مسرحاً لأكبر عملية مقاطعة تشهدها الجزائر، في السنوات الأخيرة، إذ إن حملة المقاطعة جاءت عقب زلزال "التلاعب بالأسعار" من طرف متعاملي السيارات في البلاد، عقب كشف الحكومة عن الأسعار الحقيقية للسيارات المُعلن عنها، وتفوقها بـ25% عن السعر المُصرح به لدى الحكومة.

وأطلق ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي حملة تحت وسم "خليها تصدي" أو "دعها للصدأ"، تحث على مقاطعة شراء السيارات المجمّعة من طرف العلامات العالمية فوق التراب الجزائري، حيث لقيت تجاوباً كبيراً، بعدما تراجع العديد من المواطنين عن شراء السيارات، على أثر تفجر فضيحة "التلاعب بالأسعار".

وسرعان ما استجابت العلامات المعتمدة في الجزائر لضغط حملة المقاطعة، وخفضت أسعار السيارات.

ويقول الخبير الاقتصادي فرحات علي، لـ"العربي الجديد"، إنّ "مثل هذه الحملات وعلى الرغم من أنها لا تتسم بالرسمية، إلا أنّها تبقى ذات أهمية، لأنّ الزبون في كل بلدان العالم هو الذي يتحكم في السوق، وما دام يتمتع بوعي استهلاكي يمنعه من الرضوخ للمتعاملين الاقتصاديين، فبإمكانه التحكم بقانون العرض والطلب، وبالتالي التحكم بطريقة غير مباشرة ببورصة الأسعار".

وأكد الخبير الاقتصادي "وجود مبالغة كبيرة في أسعار السيارات المجمعة محلياً، "والتي أصبحت أغلى حتى من أسعارها في بلد العلامة الأصلي، وبالتالي أصبح الأمر يشبه إلى حد كبير شبكات تتاجر بالسيارات وتحتكرها وتتحكم كما تشاء بهامش الربح دون أي رقابة حكومية، وهو ما يدخل في خانة النصب والاحتيال"، معتبراً أنّ "لجوء المستهلك للمقاطعة سيؤثر على السوق وسيجبر الشركات على خفض الأسعار، مع أن المستهلك يتقاسم مسؤولية الغلاء الفاحش الذي أصبحت تعرفه أسعار السيارات".

"خليه للقردة"

مقاطعة المنتجات في الجزائر، باتت سلاحاً بيد المواطنين سرعان ما يلوحون به عند تجاوز الأسعار الخطوط الحمر، كما حدث، نهاية السنة الماضية، مع الموز الذي وصل سعر الكيلوغرام الواحد منه إلى زهاء 8 دولارات؛ تعادل 800 دينار.

الأمر دفع بالمنظمة الجزائرية لحماية المستهلك، لإطلاق حملة لمقاطعة الموز "خليه للقردة" (دعه للقردة)، وأكد رئيس الجمعية مصطفى زبدي، أنّ "الحملة كانت استجابة لطلبات المستهلكين عبر عدد كبير من صفحات موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك)، وكانت الاستجابة كبيرة، وصدى الحملة كان قوياً إلى درجة أنّ الحكومة قررت التدخل، ومنحت رخص استيراد استثنائية لاستيراد الموز لإحداث توازن في الأسواق".
وأضاف زبدي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنّ "احتكار مجموعة من المستوردين لسوق الموز وتوزيعه هو سبب وصول أسعار الموز إلى 800 دينار، حتى أنه لدينا معلومات بأن بعض المستوردين قاموا ببيع هذه المادة بالجملة بـ650 ديناراً لتجار الجملة، وهو ما يتناقض مع القوانين، على اعتبار أنّ الدولة منحته امتياز الاستيراد وفق دفتر شروط، الذي يشترط ألّا يتجاوز السعر 180 ديناراً جزائرياً".

"خليه بالريش"

موضة حملات المقاطعة جعلت الجزائريين، يشنّون بين الفينة والأخرى حملات تستهدف المنتجات التي ترتفع أسعارها في الأسواق، كأول رد فعل، حيث قاطع الجزائريون شراء عدة منتجات لمدة وجيزة، كانت كافية لإعادة الأسعار إلى وضعها الطبيعي، كما كان عليه الحال مع حملة "خليه بالريش" (دعه بريشه) التي استهدفت اللحوم البيضاء وعلى الخصوص الدجاج، حيث كبدت هذه الحملة مربي الدجاج وباعة اللحوم البيضاء خسائر كبيرة، وهوت بالأسعار بقرابة 30%، في ظرف أقل من أسبوع.

نفس السيناريو حصل مع الأسماك، فبعد تداول مقاطع فيديو لصيادين يلقون السمك في البحر بعد اصطياده لإحداث استقرار في العرض والطلب، انطلقت حملات لمقاطعة شراء السمك، لا سيما السردين الذي فاق سعر الكيلوغرام الواحد منه 700 دينار (6.5 دولارات)، دفعت بوزارتي الزراعة والصيد البحري والتجارة، للتدخل ووضع فرق مراقبة في موانئ الصيد، وحتى تسيير دوريات في عرض البحر.

مواقع "الاحتجاج" الاجتماعي

واللافت اليوم، أنّ غالبية حملات المقاطعة تكون انطلاقتها من مواقع التواصل الاجتماعي، لا سيما "فيسبوك"، حيث يتم تداول أوسمة المقاطعة، لتصبح الأولى في "الترند"، وهذا ما ساعد في إنجاح العديد من الحملات.
ويقول الناشط الجزائري جمال نورالدين إنّ "هذه الحملات تحوّلت إلى ثقافة رسخت في ذهن المواطن الجزائري، وأصبحت سلاحاً قوياً في مواجهة المضاربين والمنتجين والمستوردين، والذين رضخوا في بعض الأحيان للحملة وأخفضوا من سعر المنتجات".

وأضاف، لـ"العربي الجديد"، أنّه "لا يمكن إنكار دور مواقع التواصل الاجتماعي في ترسيخ المقاطعة في الثقافة الاستهلاكية للجزائريين، ففي الماضي القريب كانت هذه الحملات منعدمة، واليوم بفضل التطور التكنولوجي، أصبح الجزائريون يقولون كلمتهم في العالم الافتراضي وتترجم فيما بعد في الواقع، وهو أمر إيجابي".

ونبّه نورالدين من "خطورة استعمال الحملات لتصفية حسابات بين المتعاملين الاقتصاديين، كما حدث مع المياه المعدنية حيث أطلقت حملة لمقاطعة شراء إحدى العلامات، وفي الأخير اتضح أنها كانت حملة ملفقة من إحدى العلامات الموجودة في السوق الجزائرية".
المساهمون