حكومة تصريف الأعمال في جمهورية حزب الله
يُقال إن حنكة رجال الدولة والساسة الأكفاء تظهر عند المحن، فالأزمات تُشكّل الاختبار الحقيقي لبروز مهارات القادة السياسيين في احتواء الموقف، وتخفيف الخسائر بمعالجة عقلانية ونظرة استشرافية لمسار الأحداث، غير أنّ متتبع الوضع اللبناني، منذ تشكيل حكومة حسان دياب، يدرك أنّ من شكّل هذه الحكومة، تحت يافطة "التكنوقراط" والمستقلين، لم يرد حكومةً مستقلةً قادرةً على معالجة المشكلات واتخاذ القرارات بعيداً عن المحاصصات والتقسيمات السياسية والطائفية والحزبية، بل أراد حكومة تصريف أعمالٍ يسهل من خلالها إكمال السيطرة على الدولة اللبنانية ومؤسساتها من دون منازع أو معارض، وصولاً إلى الجمهورية المنشودة ذات التبعية الواضحة.
منذ نيلها الثقة في المجلس النيابي اللبناني، كان التخبّط والعشوائية والرضوخ للإملاءات وترسيخ المحاصصات أبرز ما ميّز حكومة دياب، بدءاً من قضية سندات "اليوروبوندز" التي لم تُفهم بعد آلية التوافق على جدولة تسديدها للجهات الدولية المانحة، مروراً بالتشكيلات القضائية ومراسيم الناجحين في مجلس الخدمة المدنية والتعيينات في حاكمية مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف وهيئة الأسواق المالية التي أقرّتها الحكومة على قاعدة المحاصصة والمحسوبية، إلى تداعيات جائحة كورونا والمطار وعودة اللبنانيين والمعابر غير الشرعية وضبط الحدود والتهريب، إلى قضية معمل سلعاتا للكهرباء وما رافقها من رضوخ للضغوط والمحاصصات، انتهاءً بالخطة المالية والمفاوضات مع صندوق النقد الدولي المتعثرة، والتي يبدو أنها باتت قاب قوسين أو أدنى من الإعلان عن توقفها، بعد أن نعتْ مديرة صندوق النقد الدولي، كريستالينا جورجيفا، محاولات إنقاذ الوضع في لبنان، بقولها "قلبي ينفطر على لبنان".
كأن حكومة حسان دياب حكومة بدل عن ضائع مهمتها تصريف الأعمال بناءً على توجيهات حزب الله
كل ما سبق يظهر حكومة حسان دياب كأنها حكومة بدل عن ضائع، مهمتها تصريف الأعمال بناءً على توجيهات حزب الله والمحور المساند له وإملاءاتهما، من دون أن يكون لها أي إرادة حقيقية في الاختيار والتنفيذ، الأمر الذي دفع إلى نعتها بعشرات النعوت والتسميات، منها حكومة اللون الواحد، وحكومة 8 آذار الممانعة، وحكومة حزب الله، حكومة الحلف الإيراني، حكومة الوكلاء والمستشارين، حكومة الفشل، حكومة المحاصصة، حكومة الهالوين، وحكومة الأقوال لا الأفعال، وهي سابقةٌ لم تطاول أي حكومة لبنانية سابقة، وليس من باب التجني نعت هذه الحكومة بكل هذه النعوت، فهي برهنت، وخلال مسيرتها الماضية، على أنّها تابعة لحزب الله، وأنها لا تحرّك ساكناً، ولا تقطع خيطاً من دون موافقته، وخصوصاً في القضايا المفصلية والمهمة، كالسياسة الخارجية والعلاقات الدولية والسياسة المالية والمصرفية التي يحاول حزب الله فرضها في لبنان، من خلال تشكيل منظومة جديدة، تهدف إلى محاولة ربط لبنان اقتصادياً بالمشروع الإيراني بعد أن استطاع ربطه سياسياً وأمنياً. وفي هذا الإطار، يمكن وضع التعيينات في حاكمية مصرف لبنان، المعلنة أخيرا، وشملت تعيين أربعة نواب للحاكم محسوبين على قوى سياسية يقودها حزب الله، في مقدمتهم وسيم منصوري بمنصب النائب الأول للحاكم، والذي سيحلّ محل سلامة في حال استقالته أو إقالته، ضمن خطة تطويق رياض سلامة، وإيجاد البديل المناسب المتماهي مع سياسات حزب الله المصرفية التي تحاول فرض نوعٍ من التأميم للقطاع المصرفي اللبناني.
فشلت هذه الحكومة في تنفيذ أي إجراءٍ يحد الانزلاق المعيشي والاقتصادي أو يمنعه
وبالتالي، فإن الأشهر التي زادت عن خمسة من عمر حكومة حسان دياب كانت كفيلة بتكوين تصوّر واضح أنّ هذه الحكومة ليست قادرةً على تحمّل أعباء المرحلة الصعبة التي يمر بها لبنان، فمن جهةٍ فشلت في تقديم نفسها، داخلياً وخارجياً، بأنها حكومة إنقاذ قادرة على إخراج لبنان من الأزمات التي تعصف بها، بل لعبت دوراً كبيراً في زيادة عزلة لبنان خارجياً، بعد أن أظهرت نفسها حكومة طيعة في يد حزب الله، يحرّكها كيفما شاء، فقضت بذلك على ما تبقى لها من مصداقية أمام الرأي العام المحلي والدولي في مجال الإصلاح ومكافحة الفساد، كما زادت، في الوقت نفسه، من نقمة الشارع اللبناني الغاضب الذي عاد إلى الاحتجاج بعد تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في ظل ارتفاع نسبة البطالة إلى 35%، وارتفاع نسبة الفقر إلى 45%، وتدهور قيمة العملة اللبنانية بعد ارتفاع سعر الدولار، ووصول سقفه إلى مستويات عالية وخطيرة. ومن جهة أخرى، فشلت هذه الحكومة في تنفيذ أي إجراءٍ يحد الانزلاق المعيشي والاقتصادي أو يمنعه، بل انخرطت في لعبة المحاصصة وتقاسم المغانم بين الأحزاب والكتل التي كانت قائمة قبل انتفاضة أكتوبر/ تشرين الأول 2019، بعد أن انصبت جهودها على الاستثمار في شواغر التعيينات الإدارية والمالية، لتحقيق مكاسب حزبية ومصالح شخصية، بعيداً عن مصلحة لبنان ومطالب الشارع المنتفض، والأخطر أنها تغاضت عن فساد السياسيين والنواب، وبدأت بتكميم الأفواه وملاحقة الناشطين والمعارضين لسياسة الحكومة وسياسة من أتى بها من أحزاب.
في المحصلة، يمكن القول إنّ لبنان بات يخضع بكل مجالاته لسيطرة حزب الله، وهي المرة الأولى، منذ ظهوره على المسرح اللبناني عام 1985، يبسط فيها الحزب هذا المقدار من النفوذ المباشر والهيمنة على سلطات الدولة اللبنانية ومؤسساتها في ظل سلطة تنفيذية مسلوبة الصلاحيات، ورئيس جمهورية يعيش حالة إنكار للوضع الكارثي، ومعارضة مشتتة غير قادرة على المواجهة، في ظل افتقارها لدور القيادة السياسية الحقيقية القادرة على تسمية الأشياء بمسمياتها الحقيقية.