حكواتي: مناقيش المسحّراتي

07 يوليو 2014
الصورة لـ(Getty/ Johanna Mifsud Photography)
+ الخط -

 
صلّوا على النبي العدنان، شفيع الآخرة ووجه النور. 

صومكم صحّة للبنيان، صلاتكم فيه لآخر السحور. 

يرجّح كفة في الميزان، شهر يساوي كلّ الدهور.

واصحى يا نايم وحّد الدايم... المصطفى حبيب الله.

يصرخ أحمد المسحراتي بصوت جهوري ثم يضرب طبله بقوة. عامل الفرن بجينزه الأبيض من آثار الطحين قرّر حمل دفّه أثناء الحرب الأهلية وحلّ مكان "الطبّال". جاب الأزقة الضيقة خلال الشهر الكريم محاولاً استغلال لحظات من السلام حين تهدأ بنادق المقاتلين.

المصطفى حبيب الله، وكلّ من يعرف أبو أحمد هو حبيب الله أيضا بنظره. يمرّ أمام منزل أبو وليد، الملقّب بـ"المختار"، ويتعمّد أن يختتم رديّته باسم الرجل ويقول: "أبو وليد حبيب الله". الجملة الأخيرة تُشعِر أبو وليد، الذي ينظر في نزاعات أهالي الحيّ، بالرضى. يُنادي على المسحّراتي ويملي عليه "طلبية المناقيش" للسحور.

الختمة نفسها تتكرّر أمام بيت أبو رياض وأبو علي. يصرخ أحمد: "أبو رياض حبيب الله"... "أبو علي حبيب الله". كان صوت أحمد قريباً من الله. وسواء تعمّد الرجل ذلك أم لا، صوته أقنع الجميع أنّهم أحبة الله فعلاً! يأخذ منهم الطلبيات ويُكمِل سَيرَه باتجاه الفرن. أيقظ الحارة وبدأ يخبز المناقيش ويرسل الطلبيات.

مرّت عشرون عاماً على الصوت الأقرب الى الله في الحي. أحبة الله، كما كان يناديهم، غادر بعضهم الحيّ، وبعضهم الآخر غادر الحياة نهائياً. تغيّرت الوجوه عليه. تعب الرجل، صوته لم يعد يبلغ بيوت أحبّة الله.

ثم اعتزل في فرنه القديم ينتظر طلبيات السحور من المسحّراتي الجديد. شيء واحد لم يتغيّر: ذاكرة الرجل التي ارتبطت بالبيوت والمناقيش. يأتيه المسحّراتي بالطلبيات دون أن يبلّغه اسم طالبيها. فأحمد في المخبز يعرف المنطقة، ويعرف كلّ بيت ماذا يطلب.

آه، 3 مناقيش زعتر و2 جبنة، إذا لأبناء أبو رياض الله يرحمه...

في عنّا 6 زعتر، 2 كشك و1 جبنة، أكيد لأبو علي الله يشفيه...

يكمل تعداد الطلبيات... يخبز العجين ويتذكّر أحبّة الله الذين غادروا والذين قضوا... يتمتم بصمت:

صلّوا على النبي العدنان، شفيع الآخرة ووجه النور...

دلالات
المساهمون