حكواتي: مصباح الحبركى

12 يوليو 2014
سائقو الشاحنات أفضل الحكواتيين (ياسر الزيّات/AFP/Getty)
+ الخط -
كان حلم طفولتي أن أسوق شاحنة على خط عمّان - الكويت، الكويت - عمّان.

سائقو الشاحنات حكّاؤون وكرماء غالباً، ولديهم حسّ تعاوني وصبورون على الأذى. كيف لا وهم أوّل من يتمرجل عليهم شرطي الحدود إذا تأزّمت العلاقات بين بلدين شقيقين؟

مصباح - أشهر سائقي الشاحنات في حارتنا - من فصيلة رجال تسمى "الحبَرْكى" أي: رجلاه قصيرتان وظهره طويل. وحين يضحك يغمض عينيه وتنطبع في جبينه أربعة أخاديد.

بيد أنّ صورة مصباح في الحارة على الدوام بالغة الإلفة والكرم، يسلّم عليه كلّ الرجال بمحبّة. فهو حين يرجع من العالم الجديد (دول الخليج) أو من العراق القديم، يخصّ الأجوار بنصيبهم من البطيخ العراقي المستطيل والشاي والسمنة والقماش.. وتدعو له العجائز وهنّ مطرقات.

أما جهاد، ابن جيراننا، وقد كان لديهم تلفزيون، فقد قال إنّ مصباح يشبه "بلوتو"، العدو التاريخي لـ"باباي"، تبع السبانخ.

حين يجتمع رهط في أيام الشتاء حول نار مضرمة في تنكة يكون مصباح الأكثر موهبة في الحكي. يسخر من نفسه أولا ليأخذ راحته في السخرية من الآخرين. فبدل وصف الحبركى الذي لا يعرفه بالطبع كان يقول: أنا مثل كلاب الإنجليز.

ارتبطت لدي دائماً صورة الحكّاء الساخر بسندباد قصير الرجلين وظهره طويل يقود شاحنة.

في إحدى المرات، حكى لنا مصباح خرّافية السائق العراقي فقال: "كان السائق يريح شاحنته، ويحضّر إلى جانب الطريق وجبة الغداء، حتّى مرّ حمار وقلب دون قصد إناء الطبخ من على البابور. فما كان من السائق إلا أن صاح: "زمال ولد زمال. ترى أنا ما أعتب عليك. أنا أعتب على نوح اللي طلّعك ويّاه بالسفينة".

اليوم، حين أزور سوق الخضر المركزية في الدوحة ألتقي بعض سائقي الشاحنات الآتين من الأردن وأدردش معهم. أحدهم من الرصيفة قال لي إنني إذا شعرت بالحنين إلى هواء الرصيفة، فما عليّ إلا أن أختار أيّ إطار من إطارات الشاحنة وأضع أنفي على سدادة الهواء. نفّس السدادة قليلًا وشِمّ هوا البلد وأعطني رأيك.

سألته: هل مصباح على قيد الحياة؟

قال لي إنّ مصباح لا يموت بسهولة. ترك الشاحنات منذ زمن بعيد وبقي غالباً يلازم بيته ويعتني بالحاكورة، ثم فجأة طلع مثل الشيطان الأزرق ليشارك في دعم مرشّح الحارة لرئاسة البلدية.

فاز مرشح حارتنا واستغربتُ أن يكون مصباح أحد أسباب فوزه.

كنت أظن أنّ مهمّة الساخرين هزّ جدران البلدية لا مؤازرة المرشحين لرئاستها.

دلالات
المساهمون