حكواتي: مجزرة في حيّنا.. وجارنا الميت

28 يونيو 2014
المكالمة الأخيرة (الصورة لشون غالوب / Getty)
+ الخط -

اليوم حدثت مجزرة في حيّنا، وكعادتي خرجت مسرعاً لأتجوّل بين الجثث باحثاً عن أشياء تخصّهم، وممارسة هوايتي بسرقة الأموات.

وما إن وصلت إلى مكان المجزرة حتّى لفتت نظري أصبع مفصولة عن يد صاحبها. في الحقيقة لفت نظري الخاتم الذي حول الإصبع، فانتزعت الخاتم وأخذت أتفحّصه.
كان منقوشا في داخله اسم غير واضح، إلى جانب التاريخ التالي: 11 – 5 – 1970. فاعتقدت، من تاريخ زواجه، أنّه ربما يكون سعيدا بموته. ووضعت الخاتم في جيبي ورميت الإصبع بين بقية الأشلاء، وأكملت جولتي.

كان من بين الجثث شاب تظهر عليه الأناقة، رغم الدماء التي كانت تغطّيه. فبحثت في جيوبه لأجد هاتفا نقّالا، عليه الكثير من المكالمات التي لم يردّ عليها، ورسالة نصية غير مقروءة. فتحتها وقرأتها: "شو صار معك يا أمي، لا تتأخر".
يبدو أنّ ابنك سيتأخّر كثيرا يا أمّاه، قلت في سرّي. ثم أطفأت الهاتف ووضعته في جيبي وتابعت البحث.

من ضمن الأشياء التي سرقتها:
زوجان من الأقراط كانت ترتديهما طفلة صغيرة. وكتاب شعر لأدونيس، أرجعته فورا إلى جثته. ودمية صغيرة بشكل دبّ أحمر كانت موضوعة في حقيبة صبية.
غريب كيف يجدون الوقت للحبّ. هذا ثمن الحبّ في زمن الحرب يا صديقتي الميتة.
جمعت تلك الأغراض ووضعتها في كيس وعدت إلى البيت متلهّفا لأتفحّص غنيمتي بهدوء. لكن عندما وصلت إلى البيت صُدِمتُ عندما فتحت الكيس.

لم أجد فيه إلا الدود.

 

******

 

جارنا

 

جارنا العجوز لا يعجبه الخبز الذي يصنعه فرن حارتنا.

جارنا النحيف جدا، يوميا يذهب مشيا على الأقدام إلى دمشق ليجلب خبزه ويعود.

جارنا ذو الأنف الكبير، كبير إلى درجة تعتقد أنّ عقله موجود فيه، يتلقّى الكثير من الرصاصات في جسده، ينفضها بهدوء ويكمل طريقه.

جارنا ذو التجاعيد الكثيرة في وجهه، عندما تمطر، تصير تجاعيده بحيرات، فأُسرع أنا وصديقتي ونسبح فيها.

جارنا ذو السنّ الوحيد، جاءت قذيفة وأسقطت سنّه.

جارنا القديم جداً، أوقفه البارحة شاب أصغر من أنفه، قائلا له: هات هويتك ولااااك.

جارنا الحيّ، ضغط بإصبعه على قلبه ومات.

دلالات
المساهمون