حكواتي: الفلسطينية التي لحقت حلمها

19 يوليو 2014
زيتون فلسطين، وكنزها (الصورة لجو كارييه / Getty)
+ الخط -
كان يا ما كان مش كثير زمان، كان يا مستمعات ويا مستمعين في أحلى بقعة بفلسطين في أعالي الجليل قرية اسمها أقرث *.

وبطرف هالقرية كان في كوخ أبيض صغير، ورا هالكوخ كان في 3 شجرات زيتون عتيقة عمرها بعمر هالوطن، وبهالكوخ كانت ساكنة فلاحة كثير نشيطة مع زوجها العواطلي (يعني لا بشتغل ولا بيعمل).

كلّ يوم الفجر، كانت تقوم هالفلاحة تنزل على أرضها، تنكشها وتعشّبها وتلمّ محاصيلها، وبعدين تروح لسوق مدينة صفد وتبيعها وتشتري لوازم بيتها. ولمّا ترجع على بيتها تكنّس تنظّف تطبخ وتوقظ زوجها النايم عشان يقوم ياكل. كلّ يوم ع نفس الحال.

في ليلة من الليالي، قامت بنصّ الليل مرعوبة، وصَحَّت جوزها وقالت له: قوم قوم يا زلمي، اسمع أوّل مرة بحلم، وحلمت إنّي بالقدس عند باب العامود قاعدة على السور، وكنت بدي لاقي كنز ورحت صحيت.

غضب زوجها وصاح عليها: عشان هيك بتفيّقيني من عزّ نومي. هوّ ما حدا حلم غيرك، روحي روحي نامي. لكنّها كان لازم تقوم وتروح تشتغل مثل كل يوم بالحقل وبهذاك اليوم فكّرت شي ثلاث مرات بحلمها الغريب. 

ثاني ليلة قامت كمان بنصّ الليل مرعوبة وصَحًّت زوجها وخبّرته إنّها حلمت نفس الحلم، إنّها بالقدس عند باب العامود قاعدة على السور وقبل ما تلاقي الكنز صحيت، زوجها هالمرّة صار يصيح ويزعق عليها، قامت مثل كل يوم وراحت عالحقل وبهداك اليوم ما وقفت تفكير بحلمها.

في الليلة الثالثة حلمت نفس الحلم وقامت مرعوبة كثير، وقرّرت إنّها مش راح تحكي لزوجها، قرّرت إنّها لازم تروح عالقدس، عباب العامود، وتقعد على السور وتعرف شو سرّ هالحلم.

بهديك الأيام ما كان في باصات ولا قطارات تودي عالقدس، وهالفلاحة كانت فقيرة، حمار ما كان عندها، لكن هذا ما منعها تحضّر زوّادتها وتمشي عالقدس. مشيت مشيت مشيت. 7 ايام  بلياليها. مرّت ببحيرة طبريا وبعدين بمرج بن عامر وعرّجت عالسّاحل ومرّت بحيفا ويافا، وباليوم الثامن وصلت عالقدس عند الغروب، سألت الناس وين باب العامود فدلّوها عليه، وبسرعة راحت لهناك.

كانوا كثير ناس جاية ورايحة (ويا جماعة الخير القدس كلّ عمرها بتجيها السوّاح من كلّ أنحاء العالم)، والبيّاعين عم بلملموا بضايعهن وبروحوا على بيّاع الكعك بسمسم. كان بعد معه كم كعكة وكان ينادي: "كعك سخن. بيض. كعك سخن".

قعدت هالفلاحة على السور لغابت الشمس. راحت لاقت شي فندق رخيص ونامت. وتاني يوم من مصابيح ربّنا رجعت عباب العامود وقعدت على السور، تراقب هالناس من كلّ الأجناس رايحين جايين وتراقب البيّاعات والبيّاعين اللي معهم كلّ خيرات الموسم. شافت بيّاع الكعك وسمعته وهو عم بينادي "كعك سخن، بيض، كعك سخن". وفلاحات قرى قضاء القدس بثوابهن المطرزة بيبيعوا محاصيلهن (مثلها تماما) ظلّت هيك كلّ النهار تحاول تشوف إشي يذكّرها بحلمها. ماشافت. وآخر النهار قالت لحالها: أنا شفت الحلم ثلاث ليالي، عشان هيك بدّي إبقى كمان يوم.

وثالث يوم من مصابيح ربّنا رجعت عباب العامود وقعدت على السور، تراقب الناس من كلّ الأجناس رايحين جايين وتراقب البيّاعات والبيّاعين اللي معهم كلّ خيرات فلسطين. شافت بيّاع الكعك وسمعته وهو عم بينادي: "كعك سخن، بيض، كعك سخن". ظلّت هيك كلّ النهار تحاول تشوف إشي يذكّرها بحلمها. ماشافت شي.

لمّا غابت الشمس قامت لمّت حاجتها واستعدّت لترجع على قريتها. قرّب منها بيّاع الكعك وقال لها: يا ستّ لا تواخذيني إنتِ مثل أختي، شايفك من ثلاث ايام قاعدة على هالسور لا بتشتري ولا بتبيعي. لا بتحكي مع حدا ولا بتستنّي حدا، شو قصتك؟

جاوبته: يا أخي أنا حلمت ثلاث ليالي إنّي عند باب العامود قاعدة على السور وكلّ مرة إيجي بدّي الاقي الكنز أصحَى من حلمي. عشان هيك قلت إجي اشوف شو القصة.

ردّ عليها بيّاع الكعك وقال: والله من كلّ عقلك لاحقة حلمك. يعني أنا لازم ع هالعُدال اطلع على قرية أقرث عشان صار لي عشرة ايام عم بحلم إنّه في كوخ بطرف القرية في وراه 3 زيتونات عتاق بعمر هالوطن وتحت شجرة الزتونة اللي في الوسط في كنز كبير. يعني بالك راح أخفّف عقلي وأطلع لقرية أقرث؟

الفلاحة ما ردّت عليه، وبسرعة كملت تلملم اغراضها وانطلقت راجعة لقريتها، بقيت تركض تركض تركض ثلاث أيام بلياليها حتّى وصلت بطلوع الروح على بيتها. راحت تصحّي زوجها وتقول له على الخبر الحلو، لكنّه بقى نايم. أخذت الفلاحة المعول وراحت لشجرة الزيتون اللي في الوسط. حفرت حفرت حفرت. لاقت صندوق فضّة. حفرت حفرت حفرت. لاقت صندوق ذهب. حفرت حفرت حفرت لاقت صندوق الماس.

أوّل شيء عملته إنّها عمّرت مدرسة للبنات وللأولاد. وثاني اشي عمّرت كنيسة (واذا زرتوا  قرية أقرث راح تلاقوا الكنيسة وهيّ المبنى الوحيد الذي بقي بعد ما دمّر جيش الاحتلال القرية العام 1950). وعمّرت قصر كبير كبير، وأكيد حزرتوا مين بقى برّا القصر؟

* قرية أقرث: هي واحدة من 420 قرية فلسطينية أهلها مهجّرون وما زالوا لاجئين على أرض الوطن ينتظرون الرجوع إليها، ويقيمون أغلب المراسيم الدينية في كنيسة قريتها ويقبرون موتاهم في مقبرتها.

المساهمون