حقائق عربية تائهة

12 يونيو 2015
يهاجر كثيرون تاركين بلدانهم بحثاً عن حياة أفضل(فرانس برس)
+ الخط -

يزهو كل شخص بوطنه، يرى أنه الأفضل والأجمل والأهم، يسبغ عليه كل صفات الجمال والقوة، وينفي عنه كل حقائق الوهن والترهل والانحدار.

هي طبيعة بشرية لا شك، وهي طبيعة محمودة، فالانتماء للوطن ضرورة، والاهتمام بالوطن فريضة، ولا يصح أبداً أن يكره الشخص وطنه في حال لم يجد فيه ما يقيم حياته، ولا معنى أبداً لاتهام الوطن بالجحود أو الظلم لمجرد أن من يعيشون فيه يوصفون بتلك الصفات، ولا مسوغ على الإطلاق لوصف الوطن بأوصاف حكامه أو المتنفذين فيه.

يهاجر كثيرون تاركين بلدانهم بحثاً عن حياة أفضل، علمياً أو مهنياً أو اجتماعياً، ويهجر البعض بلدانهم سعياً وراء الحرية والديمقراطية، كان هذا وما زال قائماً، لكن هذا لا يعني أن مشكلات الوطن ستنتهي بمغادرته، ربما تنتهي بعض مشكلات المواطن، وربما يحمل مشكلات بلده إلى موطنه الجديد.

في العالم العربي ظل الناس سنوات طوالاً يهاجرون بحثاً عن مستقبل أحسن، حالياً أعداد المهاجرين العرب تتزايد بشكل مطّرد، معظمهم بالأساس لاجئون وليسوا مهاجرين بالمعنى الاصطلاحي، نزوح العرب من بلدانهم بات هماً يومياً، سواء للنازحين أنفسهم أو للدول المستقبلة لهم.

الأوضاع في العالم العربي مزرية، أحوال الناس لا تسرّ، كل استطلاعات الرأي تؤكد أن العرب في معظمهم، بغض النظر عن الدولة التي ينتمون إليها، يرغبون في الهجرة من المنطقة كلها والحياة في الغرب.

تروّج أبواق الأنظمة أن ثورات الربيع العربي هي سبب ما يعانيه العرب، وكأن العرب سابقاً كانوا في حال أفضل، وكأنهم لم يهاجروا مرات عديدة سابقاً، وكأنهم لم يتعرضوا للتعنيف والقهر والموت على أيدي الأنظمة التي ثاروا عليها، أو كأن ما يجري منذ اندلاع الثورات هو عقاب الأنظمة الفاسدة للشعوب على رفضها استمرار الفساد والاستبداد وبقاء الحاكم الفرد لعقود أخرى في سدة الحكم، أو توريث الوطن إلى أحد أفراد عائلته.

يرى البعض أن العيش في ظل النظام المستبد الفاسد أفضل من توتر الأوضاع في البلاد، وتروّج قلة أغلبها مأجورة، تصدقها أغلبية جاهلة، أن معارضة الحاكم نوع من جحود الوطن، وربما يصل الأمر حد اتهام المعارضين بالخيانة، حتى وإن ثبت أن الحاكم فاسد أو فاشل أو مجرم.

الواقع أن معارضة الحاكم هي أساس ما يعرف بالديمقراطية، وأنها في الدول الحرة وسيلة إصلاح الخلل أو تحصيل الحقوق، فضلاً عن كونها السبيل المشروع لتداول الحكم، بينما تظل معارضة الحاكم الفاسد أو الفاشل فريضة هدفها الحفاظ على البلاد وأهلها، ولا يعني سوء بعض المعارضين أن المعارضة نقيصة أو جريمة، ربما هذا الظن قائم فقط لدى العرب.

اقرأ أيضاً: انتحار الشباب
المساهمون