استمع إلى الملخص
- يُتوقع أن يؤثر القرار على نحو 500 ألف تونسي في فرنسا، مهدداً بحرمانهم من الرعاية الصحية المجانية، خاصة لأولئك الذين يعانون من أمراض طويلة المدى.
- يرى المحلل نزار الجليدي أن القرار يحمل أبعاداً اقتصادية وسياسية، لكنه قد يؤدي إلى مشاكل صحية، ويتوقع أن يتم إسقاطه في البرلمان أو المحكمة الدستورية.
يُواجه مهاجرون تونسيون في فرنسا تضييقاً على حق النفاذ إلى العلاج والخدمات الصحية، بعد إعلان وزير الداخلية الفرنسي برونو ريتايو اعتزام حكومة بلاده إلغاء المساعدة الطبية التي تُقدّمها الدولة مجاناً للمهاجرين غير النظاميين.
وأعلن وزير الداخلية الفرنسي الجديد برونو ريتايو، من حزب "الجمهوريون" (اليمين المعتدل)، قبل أيام، عزمه إلغاء ما يسمى بالمساعدة الطبية العالمية، وهو نظام صحي يوفر خدمات طبية مجانا للمهاجرين غير النظاميين المقيمين في فرنسا. وقال برونو ريتايو فور تعيينه إن لديه نية في وضع حد لهذا المكسب الطبي الذي يستفيد منه أكثر من 400 ألف شخص، والذي تأسس منذ يوليو/تموز 1997 إبان الحكومة الاشتراكية التي كان يقودها ليونيل جوسبان.
مهاجرون تونسيون مهددون
ويُفترض أن تنعكس تداعيات هذا القرار على نحو 500 ألف تونسي يقيمون في فرنسا بطريقة غير نظامية، كما يُهدّد بحرمان العديد من التونسيين الذين وصلوا إلى هناك من أجل التمتع بالخدمة الطبية المجانية من أمراض طويلة المدى ومكلفة.
ويثير الإعلان جدلا واسعا في صفوف المهاجرين التونسيين، وحتى الأوساط السياسية الفرنسية، ولا سيما منها الأحزاب اليسارية التي تدعم حقوق المهاجرين، والتي ترى أن النظام الصحي المجاني من أبرز الأسباب المحفزة للمهاجرين غير النظاميين للاستقرار في فرنسا.
وتُعدّ فرنسا، دولة الاستقبال الأولى للمهاجرين التونسيين داخل الفضاء الأوروبي، بنسبة تتجاوز 56%، وتقيم فيها أعلى نسبة من التونسيين الذين لم تتجاوز أعمارهم 18 سنة، وهم أساساً من أجيال المهاجرين الجديدة، وتقدّر نسبتهم بـ14.8% من مجموع المهاجرين التونسيين في منطقة اليورو.
ويقول الكاتب والمحلل السياسي المتخصص في ملفات الهجرة والمقيم في باريس، نزار الجليدي، إن" الحكومة الفرنسية الجديدة تحتاج إلى تعبئة الموارد المالية وإرضاء الأحزاب اليمينية المتطرفة التي تدعم إلغاء حقوق قديمة للمهاجرين في فرنسا". ويؤكد الجليدي لـ"العربي الجديد" أن "إعلان وزير الداخلية الفرنسية اعتزام بلاده إلغاء حق الرعاية الصحية المجانية للمهاجرين، الذين لا يملكون وثائق إقامة، هو بمثابة بالونة اختبار لرد فعل الشارع والأحزاب اليسارية التي تؤيد حقوق المهاجرين" .
وقدّر الجليدي عدد المهاجرين التونسيين في فرنسا في وضع غير نظامي بنحو 500 ألف، فضلا عن وجود نحو مليون تونسي في وضعية نظامية. وأفاد في سياق متصل أن "الأحزاب اليسارية الوسطية، وحتى اليمينية المعتدلة، أبدت قلقا من هذا القرار الذي رأت فيه عودة إلى الوراء، لا سيما وأن فرنسا تحتاج إلى عملية وقائية من الأمراض السارية وغير السارية التي يمكن أن يحملها المهاجرون من جنسيات مختلفة".
واعتبر الجليدي أن "لهذا القرار أبعاداً اقتصادية وأخرى سياسية، ومنها تعبئة الموارد المالية وإرضاء اليمين المتطرف، غير أن تنفيذه سيؤدي إلى مشاكل صحية نتيجة تراجع الرعاية الصحية والوقائية للمهاجرين"، لافتا إلى أن "فرنسا سبق أن عانت من الأمراض الفيروسية، ويوجد فيها آلاف المهاجرين التونسيين غير النظاميين يتمتعون بالعلاج المجاني وقد كانت غايتهم من الهجرة غير النظامية، البحث عن رعاية صحية". ورجّح الكاتب المختص بملفات الهجرة، ألا يتجاوز هذا القرار مرحلة إعلان النوايا وأن يتم إسقاطه في البرلمان أو عبر المحكمة الدستورية.
وبينت أرقام نشرتها منظمة أطباء العالم عام 2022، أن من بين الأشخاص المؤهلين للحصول على المساعدة الطبية الحكومية حوالي 87% من المهاجرين غير النظاميين ليست لديهم حقوق مفتوحة في فرنسا. وقال التقرير نقلا عن نائب رئيس المنظمة جان فرانسوا كورتي، إن 50% من المهاجرين غير النظاميين يتأخرون في طلب الرعاية بسبب جهلهم بحقوقهم وأن 80% منهم يعانون من أمراض حقيقية تتطلب علاجاً سريعاً. ووفقاً لبيانات رسمية تعود لعام 2023 تقدر قيمة المساعدات الطبية للدولة المخصصة لنحو 400 ألف مستفيد بنحو 1,14 مليار يورو هو ما يمثل 0,4% من ميزانية التأمين الصحي في فرنسا.