15 مارس 2021
حريات المواطن بين نظامين رقميين
تناول تقرير حديث لمنظمة العفو الدولية هجمات التصيّد التي تستهدف الناشطين والحقوقيين والمعارضين السياسيين للأنظمة السلطوية في العالم العربي، خصوصا في مصر. وكانت تقارير سابقة لمنصة Intercept وللمنظمة قد ربطت الهجمات التي وقعت في مارس/ آذار الماضي بعمليات القبض على القائمين على منظمات المجتمع المدني في مصر، بدعوى أنها تتلقى تمويلا من جهات أجنبية، إلى آخره من أخبارٍ تدين شركات إسرائيلية وصينية في المجال التكنولوجي بتطوير برامج التلصص والرقابة التي تستهدف خدمة الأنظمة القمعية لأغراض مراقبة المواطنين، وتوسعة نطاق التلصص والتوجيه الإلكتروني، بما يشمل مزيدا من الأفراد الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي، وبرامج التنقل الخاصة، مثل برنامج Heaven الخاص بشركة أوبر، ومنافذ الحصول على المعلومات والتعبير عن الآراء، لتنتهي تحليلاتٌ أخيرا إلى ضرورة "إيجاد محيط رقمي خاص بالدول الديمقراطية في مواجهة الدول السلطوية، ومنع الدول التي لا تحترم حقوق التعبير عن الرأي من دخوله"، كما يدعو ريتشارد كلارك، وروب كناك في مجلة الشؤون الخارجية، الأميركية.
ولكن الأطروحة وأشباهها تتناول السياسات العامة للدول، تركز على حلول مقترحة لمنع الاختراق الرقمي لأنظمة الحكومات والأفراد "المهمين" للنظم الديمقراطية، كرجال الأعمال. بمعني آخر، نطاق السياسات المقترحة هو حماية "الأنظمة" والمؤسسات الحكومية التي تشكلها أكثر من حماية "المواطن"، وإلا فتلك الدول نفسها التي تدّعي ديمقراطية، تطبق برامج التلصص والرقابة نفسها بخصوص مواطنيها، وتحت الدعاوى نفسها، مكافحة الإرهاب وحماية الأمن القومي.
أما لـ"المواطن"، ولصالح حقوقه المهضومة في كل الأنظمة، فهناك خيارات محدودة... العودة إلى حياة ما قبل الإنترنت خيار مطروح بقوة، سواء كليًا بقطع التواصل عبر الإنترنت بشكل تام ومتصل، أو جزئيا بتحديد النطاق الزمني والمكاني للتواصل عبر الإنترنت، وبالتالي التعرّض للتتبع والرقابة وسرقة البيانات الخاصة من الحكومات والعصابات عبر برامج التصيّد الإلكتروني. يحكي بعضهم تجارب ناجحة في هذا المجال، مثل تخصيص وقت العمل المكتبي لمتابعة الإيميل والرسائل ومواقع التواصل، ثم العودة إلى حياةٍ بلا شبكات رقمية. وعلى الرغم من نجاحها في توفير الوقت وزيادة التواصل الشخصي بين الأفراد ومحيطهم الحيوي، مكانا
واجتماعًا، تبقى تلك الوسيلة قاصرة على "من يستطيعها"، وهم قليلون.
الخيار الثاني هو استعمال برامج آمنة، والتنبه لسياسات الخصوصية التي تقوم أنظمة الهاتف الجوال بإنزالها وتحديثها كل فترة، بعلم صاحبه ومن دون علمه، وتجنب استعمال البرامج واسعة الانتشار، مثل الماسنجر والواتساب وأمثالهما، التنبه لحملات التصيّد المتوالية، والاقتصار على مساحة زمنية، وعدد محدود من البرامج التي يثق في أمانها، وحتى حينها تكون معلوماته معرّضة للسرقة في أي وقت، بتغيير سياسات الخصوصية تلقائيا، إذ نادرا ما يحيط المستفيدون علما بماهية التحديثات التي تقوم الأجهزة بها طوال الوقت، تقليل استعمال الهاتف الجوال، حفظ المعلومات والصور الشخصية في أقراص منفصلة أو على أجهزة حواسب لا تتصل بشبكة الإنترنت نهائياً، استعمال أجهزة حواسب للعمل فقط، والعودة إلى الأدوات البسيطة التي حلت محلها الهواتف الجوالة، مثل آلة التنبيه اليومي، ساعة اليد، البوصلة، وربما طباعة الخرائط الإلكترونية قبل التنقل إلى منع برامج التتبع الخاصة بـ"غوغل" من التقاط أماكن توجه الأفراد وحفظها لحظيًا.
الخيار الثالث هو إيجاد برامج التواصل ذاتيا، ومنع عمليات الاختراق والتحديث التي تستهدف إشاعة بيانات مستفيديها، وحيث لا يتوفر هذا الخيار على مستوى الأفراد، ويحتاج إلى تمويل وخبرات وتقنيات تفوق إمكانات المجتمعات النامية، فإن الحل المتاح يبقى "قطع التواصل"، والضغط لتوفير بيئة رقمية آمنة عبر الإنترنت من الشركات الكبرى. وفي هذا الصدد، سجلت موجة احتجاج على مشروع Dragonfly الذي اعتزمت "غوغل" تنفيذه نجاحًا في وقف المشروع يُعد سابقة من نوعه، وإن تواترت أخبار بعودته لنطاق التنفيذ سرًا، ولكن الاحتجاج يبقى أداة ضغط مهمة في صالح المجتمع، في عالم تحكمه رؤوس الأموال وضغطات الملايين على زر الشبكة.
يتوقع محللون عودة الحرب الباردة في المجال الرقمي، خصوصا بعد قرار رئيس الولايات المتحدة الأميركية أخيرا حظر شركة هواوي الصينية، وإدراجها في القائمة السوداء، قبل رفع الحظر وإعلان منح التراخيص التجارية "في حالة عدم وجود تهديد للأمن القومي". ولكن تواتر وقائع الصراع بين القوى الدولية النافذة في المجال الرقمي يفيد بأن الفاتورة الحقيقية يدفعها المواطن، وليس النظام السياسي فحسب، بتزوير الأصوات الانتخابية، بتضليل الرأي العام، وسرقة البيانات الشخصية لأغراض التجسّس والتجارة.
أما لـ"المواطن"، ولصالح حقوقه المهضومة في كل الأنظمة، فهناك خيارات محدودة... العودة إلى حياة ما قبل الإنترنت خيار مطروح بقوة، سواء كليًا بقطع التواصل عبر الإنترنت بشكل تام ومتصل، أو جزئيا بتحديد النطاق الزمني والمكاني للتواصل عبر الإنترنت، وبالتالي التعرّض للتتبع والرقابة وسرقة البيانات الخاصة من الحكومات والعصابات عبر برامج التصيّد الإلكتروني. يحكي بعضهم تجارب ناجحة في هذا المجال، مثل تخصيص وقت العمل المكتبي لمتابعة الإيميل والرسائل ومواقع التواصل، ثم العودة إلى حياةٍ بلا شبكات رقمية. وعلى الرغم من نجاحها في توفير الوقت وزيادة التواصل الشخصي بين الأفراد ومحيطهم الحيوي، مكانا
الخيار الثاني هو استعمال برامج آمنة، والتنبه لسياسات الخصوصية التي تقوم أنظمة الهاتف الجوال بإنزالها وتحديثها كل فترة، بعلم صاحبه ومن دون علمه، وتجنب استعمال البرامج واسعة الانتشار، مثل الماسنجر والواتساب وأمثالهما، التنبه لحملات التصيّد المتوالية، والاقتصار على مساحة زمنية، وعدد محدود من البرامج التي يثق في أمانها، وحتى حينها تكون معلوماته معرّضة للسرقة في أي وقت، بتغيير سياسات الخصوصية تلقائيا، إذ نادرا ما يحيط المستفيدون علما بماهية التحديثات التي تقوم الأجهزة بها طوال الوقت، تقليل استعمال الهاتف الجوال، حفظ المعلومات والصور الشخصية في أقراص منفصلة أو على أجهزة حواسب لا تتصل بشبكة الإنترنت نهائياً، استعمال أجهزة حواسب للعمل فقط، والعودة إلى الأدوات البسيطة التي حلت محلها الهواتف الجوالة، مثل آلة التنبيه اليومي، ساعة اليد، البوصلة، وربما طباعة الخرائط الإلكترونية قبل التنقل إلى منع برامج التتبع الخاصة بـ"غوغل" من التقاط أماكن توجه الأفراد وحفظها لحظيًا.
الخيار الثالث هو إيجاد برامج التواصل ذاتيا، ومنع عمليات الاختراق والتحديث التي تستهدف إشاعة بيانات مستفيديها، وحيث لا يتوفر هذا الخيار على مستوى الأفراد، ويحتاج إلى تمويل وخبرات وتقنيات تفوق إمكانات المجتمعات النامية، فإن الحل المتاح يبقى "قطع التواصل"، والضغط لتوفير بيئة رقمية آمنة عبر الإنترنت من الشركات الكبرى. وفي هذا الصدد، سجلت موجة احتجاج على مشروع Dragonfly الذي اعتزمت "غوغل" تنفيذه نجاحًا في وقف المشروع يُعد سابقة من نوعه، وإن تواترت أخبار بعودته لنطاق التنفيذ سرًا، ولكن الاحتجاج يبقى أداة ضغط مهمة في صالح المجتمع، في عالم تحكمه رؤوس الأموال وضغطات الملايين على زر الشبكة.
يتوقع محللون عودة الحرب الباردة في المجال الرقمي، خصوصا بعد قرار رئيس الولايات المتحدة الأميركية أخيرا حظر شركة هواوي الصينية، وإدراجها في القائمة السوداء، قبل رفع الحظر وإعلان منح التراخيص التجارية "في حالة عدم وجود تهديد للأمن القومي". ولكن تواتر وقائع الصراع بين القوى الدولية النافذة في المجال الرقمي يفيد بأن الفاتورة الحقيقية يدفعها المواطن، وليس النظام السياسي فحسب، بتزوير الأصوات الانتخابية، بتضليل الرأي العام، وسرقة البيانات الشخصية لأغراض التجسّس والتجارة.
دلالات
مقالات أخرى
26 يناير 2021
08 اغسطس 2020
29 مايو 2020