حرب شائعات وعسكر تحاصر عرسال اللبنانية

18 يوليو 2014
أحد المقاتلين الجرحى في مستشفى "الرحمة" بعرسال (الأناضول)
+ الخط -
تلاحقك النظرات عند عبور السيارة مفرق عرسال من بلدة اللبوة (شرقي لبنان عند الحدود اللبنانية السورية). لا تفهم سرّ هذه النظرات، لكن ربع ساعة كفيلة لشرحها. يعتقد أبناء اللبوة (ذات الغالبية الشيعية الموالية لحزب الله) أن تنظيم "داعش" سيطر على عرسال بالفعل. يعتقدون أيضاً أن حواجز التنظيم موجودة في وسط البلدة، وأن المساجد تدعو إلى الجهاد (ضد أهل اللبوة).

لا يُلام أهل اللبوة على ما يعتقدون، بما أن ماكينة إعلامية منظمة تعمل على نشر هذه الشائعات على مدار الساعة، وبسرعة هائلة عبر تطبيق "الواتس آب". تعيش عرسال كأنها في كوكب آخر. يسقط أبناؤها جرحى وقتلى برصاص وقذائف سورية ولبنانية. رصاص مؤيد للنظام وآخر معارض له. يخاف أبناء عرسال من مغادرة بلدتهم. لا يعرفون متى تُنصب لهم الحواجز أو تُطلق النار عليهم من جيرانهم.

في المقابل، لا يعرف هؤلاء متى تُطلق النار عليهم داخل بلدتهم. يقول العراسلة إنهم متضامنون مع الثورة السورية. لكن هذا لا يعني أنهم يقبلون كل مقاتلي الثورة السورية. فمن ضمن بضعة آلاف من المقاتلين السوريين المنضوين تحت كتائب مختلفة، أبرزها جبهة النصرة وأحرار الشام، يوجد عشرات المقاتلين العرب. يتجمع أقل من خمسين من هؤلاء تحت اسم "داعش". يقودهم "أبو حسن الفلسطيني". يخاف العراسلة من هذه المجموعة، كونهم يُدركون أنها قتلت أحد أبنائهم داخل منزله بدمٍ بارد قبل فترة. كما يعلمون أن بين هذه المجموعات عصابات تسرق وتخطف.

جرد عرسال يمتد جرد عرسال على مساحات واسعة. جرد وعر، تملأه المغاور الطبيعية، وتميزه طبيعته الجغرافية الصعبة، كما تنتشر فيه بعض البساتين والمساحات الحرجية. بات هذا الجرد، بامتداده السوري (على طول سلسلة جبال لبنان الشرقية بين لبنان وسورية) حصناً منيعاً لمقاتلي المعارضة السورية. معظم هؤلاء المقاتلين هم أبناء القلمون وريف حمص، فبعد أن انسحبوا من القصير إلى يبرود، هربوا باتجاه الجرد. بعد أسابيع على انتهاء معركة يبرود، نظّم هؤلاء أمورهم. داووا جرحاهم، واستعادوا نشاطهم، واكتشفوا نقاط القوة والضعف في الجرد. انتظروا حزب الله ليستقر، وبدأوا بتوجيه ضربات عسكرية له على طريقة حرب العصابات.

ينقل من التقى بقادة المجموعات هناك، أنهم يملكون كمية جيدة من الذخيرة، لذلك هم قادرون على الصمود. باتت عرسال مركز التموين الغذائي والطبي لهذه المجموعات. منها يشتري هؤلاء ما يحتاجون من طعام، ويتولّى نقله عدد من اللبنانيين والسوريين ممن امتهنوا التهريب عبر هذه الحدود. وإلى عرسال، يُرسل هؤلاء جرحاهم. كما أن معظم عائلات المقاتلين تعيش في مخيمات عرسال، "لذلك هم حريصون على عرسال وعلى عدم توريطها" يقول أحد المسؤولين الحزبيين في عرسال، ثم يُضيف: "المشكلة مع المقاتلين العرب الذين أتوا ليموتوا؛ هؤلاء لا يحرصون على عرسال وعلى العلاقة مع أهلها". يقول الجرحى من المقاتلين السوريين الذين وصلوا إلى عرسال، إن حزب الله يستخدم صواريخ "كورنيت" ضد الأفراد، وليس فقط الآليات. ويُضيف هؤلاء أن المعركة الأخيرة التي سقط فيها ثمانية قتلى لحزب الله، كانت على شكل كمين لقوات الحزب المتقدمة.

نشر المقاتلون السوريون صوراً وفيديو يظهر فيها هروب مقاتلي حزب الله وجثثاً لمقاتلين أيضاً (لم نتمكن من التأكّد من صحة الصور من مصدر آخر). يقول أحد المقاتلين إن سبب هذا التوغّل لحزب الله داخل الجرد، هو تعرّضه لضربات عسكرية عدّة، أبرزها في يبرود حيث تعرض لهجوم من جهتين بشكل متزامن، واحد من خارج البلدة، وثانٍ من شباب كانوا لا يزالون داخل البلدة، وقد ظن الحزب أنهم مؤيدون للنظام.

برأي هذا المقاتل، إن هذا السبب هو الذي دفع الحزب لمداهمة كل منزل في يبرود ورنكوس وغيرها من بلدات ريف القلمون، كذلك بلدة الطفيل اللبنانية. يؤكّد الجرحى السوريون أن القوات المقاتلة في المناطق الجردية، هي قوات حزب الله فقط. لا يتدخل الجيش السوري إلا عبر الطيران الحربي، "وأغلب ضربات الطيران تطال المدنيين".

الصليب الأحمر خائف يصل الجرحى جراء القصف والمعارك، مدنيون وعسكريون، إلى مستشفى "الرحمة" في عرسال. هو مستشفى بسيط، يُديره الطبيب السوري باسم فارس. يحتاج المشفى إلى كل شيء. يحتاج لمساحة أوسع، ولأجهزة تكييف ولمواد طبية وأسرّة، والأهم لأطباء اختصاص كما يقول فارس لـ"العربي الجديد". يعمل الكادر الطبي بما توفّر لخدمة نحو 40 ألف عرسالي و120 ألف لاجئ، إضافةً إلى مقاتلين ومدنيين منتشرين في الجرد.

يوجد بين المستشفى والصليب الأحمر الدولي، اتفاق بأن يتولى الأخير معالجة الحالات الصعبة التي لا يُمكن لمستشفى الرحمة علاجها لغياب التجهيزات، وهي: الإصابات في العيون وتلك العصبية (إصابات الدماغ أبرزها)، والحالات المصابة بقطع بالشرايين الرئيسية، على حد تعبير فارس.

يتم نقل هذه الحالات عبر الصليب الأحمر اللبناني (لا تستطيع سيارات الإسعاف التابعة لهيئات أخرى من المرور في البلدات التي يُسيطر عليها حزب الله، إذ أطلق النار عليها مراراً)، إلى مستشفيات في البقاع الأوسط والغربي. لكن عند توتر الأمور "يُبلغنا الصليب الأحمر اللبناني امتناعه عن نقل الجرحى لأن الوضع الأمني خطير"، بحسب فارس، وغالباً ما يتوتر هذا الوضع عند حصول اشتباكات في الجرد. هذا يعني أن الحالات الخطرة لن تلقى علاجاً مناسباً، "ومنذ أيام، اضطررنا لنقل إحدى الفتيات بسيارة مدنية".

كما أن الصليب الأحمر الدولي أبلغ مستشفى الرحمة التوقف عن معالجة إصابات العيون، "لأن هذه الاصابات لا يُمكن أن تمر عبر حواجز الجيش اللبناني بما أن الجندي لا يُمكنه التأكّد من صحة الحالة!". ما الحلّ؟ يحتار أهل عرسال في أمرهم. يرون بأعينهم آليات حزب الله تُحاصرهم من كلّ مكان. تصلهم يومياً تلك الأخبار التي تنتشر عن سيطرة "داعش" وعن إعلان الجهاد. يرون الجيش اللبناني غير قادر على حمايتهم ولا منع التهريب عبر الحدود. يسأل العراسلة عمّا سيفعله حزب الله إذاً؟ هل يدخل إلى عرسال لمنع التهريب وبالتالي تجويع المقاتلين؟ هل يُحاول السيطرة على كامل الجرد، وهذا مكلف جداً عسكرياً؟ يسأل أبناء عرسال هذه الأسئلة ولا يملكون جواباً، بل ينتظرون مستقبلاً لا يرون معالمه.
المساهمون