13 نوفمبر 2024
حرب الصحراء لن تقع
يحتدم التوتر بين المغرب ومقاتلي جبهة بوليساريو مجددا، وترتفع درجة الحرارة بينهما، حتى تكاد تصل إلى المواجهة العسكرية، بسبب ما وصفه المغرب بـ "توغل" قوات "بوليساريو" في المنطقة العازلة، وهي اتهامات نفتها الجبهة، وقالت بعثة الأمم المتحدة في الصحراء إنها لم تلحظها. ويتعلق الأمر بشريط عازل يمتد عشرات الكيلومترات عرضا ومئات الكيلومترات طولا، ويمثل تقريبا نحو 20% من المنطقة "المتنازع عليها" بين المغرب وبوليساريو.
وتعود قصة هذه "المنطقة العازلة" إلى أيام الحرب الساخنة بين طرفي النزاع، والتي استمرت 16 سنة، حتى توصلهما إلى اتفاق لوقف إطلاق النار عام 1991 ما زال ساري المفعول، تحت رعاية ميدانية ودائمة للأمم المتحدة. في أثناء فترة الحرب، وحتى يحُدَّ المغرب من هجمات مقاتلي "بوليساريو" المباغتة، والتي كانت تشن حرب عصاباتٍ، عمد إلى بناء جدار أمني على طول 1600 كيلومتر من أقصى شمال الإقليم حتى جنوبه. وقد توخّى الجيش المغربي أن يبني هذا الساتر الرملي المدعم بالألغام والمتاريس بعيدا عن الحدود الجزائرية شرق الإقليم، وعن الحدود الموريتانية جنوبه. وكان الهدف من ترك هذه المساحة الخالية الفاصلة تفادي كل نقاط تماس مع الجيشين، الجزائري والموريتاني، في أثناء عمليات ملاحقة سلاح الجيش المغربي مقاتلي جبهة بوليساريو عند فرارهم إلى الجزائر، حيث توجد معسكراتهم، أو في أثناء تسللهم عبر التراب الموريتاني إليها.
وفي أثناء فترة التوقيع على وقف إطلاق النار بين الطرفين، تحت رعاية الأمم المتحدة، وضع المغرب هذه المنطقة العازلة تحت إشراف بعثتها المكلفة بمهمتين: احترام وقف إطلاق النار وتنظيم استفتاء لتقرير المصير. وبعد أن فشلت محاولات تنظيم الاستفتاء، باتت مهمة البعثة الأممية مراقبة وقف إطلاق النار. وطوال فترة وجودها في المنطقة منذ 27 سنة، لم يحدث أن تم اختراق وقف إطلاق النار بين الجانبين، لكن ذلك لم يمنع من وجود مناوشات من هذا الطرف أو ذاك تجعلهما يتبادلان الاتهامات، لكن الوضع ظل دائما مسيطرا عليه، فما الذي يجعله هذه المرة مختلفا؟
بعد وقف إطلاق النار، خرجت جبهة بوليساريو شبه فارغة الوفاض من حرب دامية استمرت
16 سنة، ووجدت نفسها منسية وشبه معزولة في مخيماتٍ تضم لاجئين من الصحراء في أقصى الجنوب الجزائري، يقول المغرب إنهم محتجزون رغما عن إرادتهم هناك، فلجأت الدعاية الرسمية للجبهة إلى إشاعة مصطلح "الأراضي المحرّرة"، وأطلقته على المنطقة العازلة، والصراع كله اليوم يقع في وعلى هذا الشريط العازل الذي يسميه المغرب "منطقة عازلة" وتسميه "بوليساريو" "منطقة محرّرة"، وهو شريط صحراوي خال من أي وجود سكاني. وعندما بدأت قوات من "بوليساريو" تقتحمه، كما حصل قبل سنة في منطقة الكركرات، جنوب الشريط، كادت أن تقع الحرب بين الطرفين، لولا تدخل الأمم المتحدة التي طلبت من "بوليساريو" سحب مقاتليها، ومن المغرب توقيف أشغال طريقٍ كان ينوى إقامتها في الشريط نفسه نحو أول نقطة حدودية مع موريتانيا شمال مدينة نواديبو.
يكاد اليوم يتكرر السيناريو نفسه، ولكن هذه المرة شمال شرق الجار الأمني، أي في أقصى شمال شرق "المنطقة العازلة" القريبة من الحدود الجزائرية، وبالضبط من منطقة تندوف في الجزائر، أين توجد معسكرات "بوليساريو"، وهذه المرة يؤاخذ المغرب على الجبهة محاولاتها نقل بعض معسكراتها إلى هذه المنطقة، وبناء منشآت صلبة فيها، ربما قد تستعمل مستقبلا لأعمال عسكرية، ولذلك جاء الرد المغربي صارما وعنيفا، مهدّدا باللجوء إلى الخيار العسكري، لمنع الجبهة من "فرض أمر واقع" في منطقة يعتبرها عازلة.
فجبهة بوليساريو التي أعلنت قيام "جمهوريتها" من طرف واحد عام 1976، أعلنتها في
مخيمات اللجوء على أرض الجزائر، وكانت تلك من أكبر أخطائها الاستراتيجية القاتلة، لأنه لم يسبق لأي جبهة "تحرير" في التاريخ أن أعلنت جمهوريتها في المنفى، أو على أرض اللجوء وهي تدعي وجود "أراضٍ محررة" تحت تصرفها! واليوم تريد قيادتها أن تصحح هذا "الخطأ" التاريخي، بإيجاد موطئ قدم لها في الإقليم الذي تطالب باستقلاله، لتعلن قيام "دولتها" فوقه"، وهذا ما رفضه المغرب ويهدد باللجوء إلى الخيار العسكري لمنع حدوثه، فالمغرب يتمتع بالسيادة الإدارية على 80% من الإقليم، بينما لا وجود فعليا لـ "بوليساريو" على الإقليم الذي تطالب باستقلاله.
وهنا يكمن الرهان الكبير في هذه الجولة الجديدة من الصراع الدائم بين المغرب و"بوليساريو". وككل سنة، يتزامن احتدام الصراع بين الخصمين مع فترة تقديم الأمين العام للأمم المتحدة تقريره السنوي أمام مجلس الأمن، في شهر أبريل/ نيسان من كل سنة. ويبدو أن التقرير الجديد الذي يناقش أمام مجلس الأمن جاء متوازنا، وهذا دليل آخر على أن الوضع سيبقى مستقرا كما كان عليه حتى أبريل/ نيسان في العام المقبل، لترتفع من جديد دقات النقر على طبول حربٍ لن تقع.
كتبت مرات أن سبب مشكل الصحراء، وهي إحدى مخلفات الحرب الباردة في المنطقة، غياب الديمقراطية في البلدان المعنية بالقضية، المغرب والجزائر بالدرجة الأولى وجبهة "بوليساريو" في درجة ثالثة. فما دامت هذه الأطراف الثلاثة لم تختر مقاربة ديمقراطية لحل المشكل، وما دامت لم تشهد أنظمةً ديمقراطية تدير شؤونها، فإن المشكل سيستمر، وسيستمر معه التجييش من الجانبين وعمليات التسخين ودق طبول حروب لن تقع.
وتعود قصة هذه "المنطقة العازلة" إلى أيام الحرب الساخنة بين طرفي النزاع، والتي استمرت 16 سنة، حتى توصلهما إلى اتفاق لوقف إطلاق النار عام 1991 ما زال ساري المفعول، تحت رعاية ميدانية ودائمة للأمم المتحدة. في أثناء فترة الحرب، وحتى يحُدَّ المغرب من هجمات مقاتلي "بوليساريو" المباغتة، والتي كانت تشن حرب عصاباتٍ، عمد إلى بناء جدار أمني على طول 1600 كيلومتر من أقصى شمال الإقليم حتى جنوبه. وقد توخّى الجيش المغربي أن يبني هذا الساتر الرملي المدعم بالألغام والمتاريس بعيدا عن الحدود الجزائرية شرق الإقليم، وعن الحدود الموريتانية جنوبه. وكان الهدف من ترك هذه المساحة الخالية الفاصلة تفادي كل نقاط تماس مع الجيشين، الجزائري والموريتاني، في أثناء عمليات ملاحقة سلاح الجيش المغربي مقاتلي جبهة بوليساريو عند فرارهم إلى الجزائر، حيث توجد معسكراتهم، أو في أثناء تسللهم عبر التراب الموريتاني إليها.
وفي أثناء فترة التوقيع على وقف إطلاق النار بين الطرفين، تحت رعاية الأمم المتحدة، وضع المغرب هذه المنطقة العازلة تحت إشراف بعثتها المكلفة بمهمتين: احترام وقف إطلاق النار وتنظيم استفتاء لتقرير المصير. وبعد أن فشلت محاولات تنظيم الاستفتاء، باتت مهمة البعثة الأممية مراقبة وقف إطلاق النار. وطوال فترة وجودها في المنطقة منذ 27 سنة، لم يحدث أن تم اختراق وقف إطلاق النار بين الجانبين، لكن ذلك لم يمنع من وجود مناوشات من هذا الطرف أو ذاك تجعلهما يتبادلان الاتهامات، لكن الوضع ظل دائما مسيطرا عليه، فما الذي يجعله هذه المرة مختلفا؟
بعد وقف إطلاق النار، خرجت جبهة بوليساريو شبه فارغة الوفاض من حرب دامية استمرت
يكاد اليوم يتكرر السيناريو نفسه، ولكن هذه المرة شمال شرق الجار الأمني، أي في أقصى شمال شرق "المنطقة العازلة" القريبة من الحدود الجزائرية، وبالضبط من منطقة تندوف في الجزائر، أين توجد معسكرات "بوليساريو"، وهذه المرة يؤاخذ المغرب على الجبهة محاولاتها نقل بعض معسكراتها إلى هذه المنطقة، وبناء منشآت صلبة فيها، ربما قد تستعمل مستقبلا لأعمال عسكرية، ولذلك جاء الرد المغربي صارما وعنيفا، مهدّدا باللجوء إلى الخيار العسكري، لمنع الجبهة من "فرض أمر واقع" في منطقة يعتبرها عازلة.
فجبهة بوليساريو التي أعلنت قيام "جمهوريتها" من طرف واحد عام 1976، أعلنتها في
وهنا يكمن الرهان الكبير في هذه الجولة الجديدة من الصراع الدائم بين المغرب و"بوليساريو". وككل سنة، يتزامن احتدام الصراع بين الخصمين مع فترة تقديم الأمين العام للأمم المتحدة تقريره السنوي أمام مجلس الأمن، في شهر أبريل/ نيسان من كل سنة. ويبدو أن التقرير الجديد الذي يناقش أمام مجلس الأمن جاء متوازنا، وهذا دليل آخر على أن الوضع سيبقى مستقرا كما كان عليه حتى أبريل/ نيسان في العام المقبل، لترتفع من جديد دقات النقر على طبول حربٍ لن تقع.
كتبت مرات أن سبب مشكل الصحراء، وهي إحدى مخلفات الحرب الباردة في المنطقة، غياب الديمقراطية في البلدان المعنية بالقضية، المغرب والجزائر بالدرجة الأولى وجبهة "بوليساريو" في درجة ثالثة. فما دامت هذه الأطراف الثلاثة لم تختر مقاربة ديمقراطية لحل المشكل، وما دامت لم تشهد أنظمةً ديمقراطية تدير شؤونها، فإن المشكل سيستمر، وسيستمر معه التجييش من الجانبين وعمليات التسخين ودق طبول حروب لن تقع.