حصل ممثل فلسطيني مؤخراً على "جائزة أحسن ممثل" في "مهرجان البندقية السينمائي"، وأتحفتنا "وزارة الثقافة الفلسطينية" ببيان صحافي حول الجائزة وعظمتها، وكأن دور الوزارة ينحصر فقط في البيانات الصحافية والتكريمات العشوائية، وكان آخرها تكريم فنانين من شمال فلسطين، أحدهم جُلّ أعماله باللغة العبرية في تجاهل لهويته الثقافية، ودور الفنان الحقيقي في نشرها أينما استطاع (ما علينا).
نسي المحتفلون بـ"الجائزة العالمية" أن مخرج الفيلم اللبناني لم يجد مشكلة في أن يصنع فيلماً استشراقياً سابقاً مع الصهاينة، وعاش لهذا الغرض سنة في "تل أبيب" باعتباره فناناً لبنانياً. لبنان التي يفترض أنه بلد عربي يعارض فنانوه ومثقفوه التطبيع الثقافي، ويجرّم قانون عقوباته التعامل مع دولة الاحتلال.
المهرجان المذكور كان قد أعطى أيضاً جائزة المهرجان الثانية (الأسد الفضي/ جائزة لجنة التحكيم)، لفيلم إنتاجه مشترك بين "إسرائيل" وألمانيا وسويسرا وفرنسا، ومخرجه إسرائيلي؛ ما قد يفهم منه أن جائزة أحسن ممثل بالمهرجان هي جائزة ترضية للجانب العربي/ الفلسطيني (هكذا جرت العادة في المهرجانات التي تستضيف أفلاماً عربية وإسرائيلية)، على الرغم من أن هذا لا ينفي أن كثيراً من الفنانين الفلسطينيين والعرب يستحقون أعظم الجوائز، ولكن في هذه الحالة يأخذ العربي/ الفلسطيني السمكة/ الطُعم (الملوّثة بالتطبيع طبعاً)، فيما يبتلعون هم الحوت.
بات ذهاب جوائز الغرب لمطبّعين أمراً يُثير السخرية، ولا سيما مع ممثلين نعرف حجم قدراتهم المحدودة، واستعدادهم المثير للاستغراب للمشاركة والتمثيل في أي عمل يشوّه قضاياهم. هذا سؤال أخلاقي نرجو أن يعيد التفكير فيه كل الممثلين والمهنيين، الذين قبلوا بالعمل في أفلام السيد زياد دويري التي تجمع بين الاستشراق الفرنسي والتطبيع البغيض.
في فيلم دويري الأخير، الممثل الفلسطيني لم يكن فقط خرقة للتمويه على التطبيع، وإنما كان أيضاً جسر عبور للفيلم الإسرائيلي للمهرجان، ولدويري نفسه الذي ربح أيضاً بتمثيله دور ضحية حرية الرأي، وأثار صخباً إعلامياً يمكن أن يستثمره في الحصول على تمويل أفلام جديدة مقبلة، وربما الفوز بجوائز أخرى من تلك المخصصة لأتباع إسرائيل من العرب.
"مهرجان البندقية السينمائي" بمنحه الفيلم الإسرائيلي "جائزة الأسد الفضي"، وترضيته الممثل الفلسطيني بجائزة أحسن ممثل، تهنئةً له على المشاركة في طاقم المخرج التطبيعي، يزيد التأكيد بوضوح على سياسة أوروبا في ما يخص الحق الفلسطيني والاحتلال الإسرائيلي، كما يذكرنا بشكل جليّ بحصتنا منها (أوروبا)، في "عمليه السلام" (تزفيت شوارع في أراضي السلطة، وبعض اليوروهات لمشاريع تطويع الفلسطيني الجديد وهندسته).
أقبية المهرجانات الأوروبية تسعد لهذه المشاركات، لتظلّ القارة العجوز "تجمع" طرفي "النزاع".. تجمعنا معاً وتُرضي الكل ولا يبقى في الأخير إلا الاحتلال.
* مخرج وممثل فلسطيني من القدس المحتلة