ريتا الحمزاوي أمّ لأربعة أبناء، أحدهم يعمل معها في شارع الخصافات في مدينة طنجة كحارس سيارات. منذ 24 عاماً، عملت كحارسة سيّارات، حتى قبل وفاة زوجها، الذي كان يعمل في هذه المهنة. الحمزاوي هي المرأة الأولى في مدينة طنجة (شمال المغرب) التي تعمل كحارسة سيارات بشكل مرخص من قبل الجماعة الحضرية لطنجة (البلدية). حين قابلتها "العربي الجديد" في مكان عملها، كانت تعلّق بطاقة رخصتها على صدرها مع صافرة باللون الأصفر، وترتدي معطفاً من النايلون. في ذلك اليوم، كان الجو عاصفاً وماطراً، لكن الرياح القوية لم تمنعها من النهوض صباحاً سعياً وراء لقمة عيشها.
كانت تُساعد بائع الخضار في كنس بقايا البقدونس، وإزالة المياه التي اختلطت بالأتربة العالقة في الشمندر الأحمر والبطاطس وغيرها من الخضار، حتى يتمكن البائع من ترتيب صناديقه استعداداً ليوم عمل طويل. في البداية، رفضت إجراء أي مقابلة، اعتقاداً منها أنّ أولادها لن يقبلوا بالأمر. لكن بائع الخضار شجعها للحديث عن تجربتها، فوافقت.
اسمها ريتا، وقريباً تبلغ الستين من العمر. منحتها جدّتها هذا الاسم بعدما فقدت جارتها التي أحبت. وحين أُصيب زوج ريتا بمرض في القلب، أخذت مكانه في الشارع الذي كان يشهد حينها انتعاشاً اقتصادياً واجتماعياً أيام عاشوراء، ثم تحوّل إلى مكان لركن السيارات. توفي زوجها وربّت أطفالها من خلال عملها. كلّ سيارة تُركن في الشارع التي تتولّى ريتا مسؤوليته لا يدفع صاحبها سوى درهمين أو خمسة دراهم (نصف دولار) على الأكثر، في مقابل حراستها، بغض النظر عن ساعات ركنه لسيارته، علماً أن قطاع حراسة السيارات غير منظم من قبل البلدية في طنجة، وما من أسعار محددة لركن السيارات. تقول الحمزاوي لـ "العربي الجديد" إنّها تحصل يوميّاً على نحو ثلاثين درهماً (3 دولارات)، ما يكفيها لشراء حاجيات يوميّة فقط، ويساعدها بعض الأشخاص مثل بائع الخضار الذي وقف إلى جانبها عندما عمدت البلدية إلى تزفيت (تعبيد) الشارع من جديد، واستمر العمل فيه شهرين.
الحمزاوي وفية لعملها. ظروفها لم تمنعها من الحضور إلى المكان يومياً. وإن لم تستطع الصمود طوال اليوم، خصوصاً في الأيام الحارة، بسبب إصابتها بالشقيقة منذ ثماني سنوات، إلّا أنها تشعر بالرضى ولو جاءت إلى مكان عملها بضع ساعات. وعادة ما لا ترتاح إلّا أيام الأعياد والمناسبات الهامة. تقول لـ "العربي الجديد" إنّها تمكنت من تعليم أبنائها نتيجة عملها المتواصل صيفاً وشتاء، وحتى خلال شهر رمضان. وإن كانت تتمنّى أحياناً الجلوس في المنزل، إلا أن عدم وجود مصدر آخر للدخل يمنعها من التفكير في الأمر. تقول بالمغربية: "هذه الخدمة ما كاين فيها الراحة ومكرهتش نجلس في الدار".
تُعرّف الحمزاوي نفسها بـ "عسّاسة" (اسم يُطلق باللهجة المغربية على حراس السيارات)، وهي حارسة مُعترف بها من البلدية، وقد حصلت على أوراقها الرسمية بسلاسة. تضيف لـ "العربي الجديد": "لم أواجه صعوبة في الحصول على رخصتي. على العكس، كنت محطّ احترام وتقدير، وطلبت مني البلدية أوراقاً تتعلّق بحسن سيرة السلوك وعقد الزواج وشهادات ولادة لأبنائي، إضافة إلى هوية زوجي، ثم باشرت بعملي". هكذا، بقيت لسنوات طويلة المرأة الوحيدة التي تنخرط في هذا القطاع في مدينة طنجة. لا تملك تفسيراً عن سبب عدم وجود نساء غيرها. تضيف: "خدمتي للزبائن أفضل من الحراس الرجال أنفسهم".
تتمتّع الحمزاوي بقدرة عالية على التركيز والانتباه، وتُعطي الإشارات الصحيحة لأي سائق حتى يتمكّن من ركن سيارته من دون إيذاء من خلفه أو أمامه. وهذا المشهد يتكرّر في طنجة من قبل حراس السيارات الرجال. إلّا أنّ الحمزاوي تُضفي حسّاً مختلفاً على عملها. يومياً، تلتقي أشخاصاً يعاملونها بلطف، ولم تواجه موقفاً أو كلمة سيئة من أي شخص، على حد قولها.