جينولا.. حكاية ساحر يهوى اللعب مع الكبار

17 يناير 2015
+ الخط -


مع هيئة أقرب إلى نجوم السينما، وملامح جذابة للكاميرات، وضع دافيد جينولا نفسه كأحد أعظم نجوم "البريميرليج" خلال فترة التسعينيات من القرن العشرين، رغم أنه ليس إنجليزياً ولا ينتمي إلى أي مقاطعة بريطانية، ويحمل الجنسية الفرنسية منذ نعومة أظافرة، كلاعب مميز في صفوف باريس سان جيرمان ثم منتخب فرنسا، لكنه حينما قرر مغادرة وطنه واختيار مكان آخر لمواصلة التعايش مع اللعبة، ذهب إلى الدوري الإنجليزي ليصبح فيما بعد أحد الأيقونات المفضلة للبطولة التاريخية.

اتجه دافيد إلى التمثيل بعد اعتزاله كرة القدم، وشارك أيضاً في عدة حملات دعائية ترويجية، مع بعض العروض التلفزيونية الكوميدية. واقتحم اللاعب هذا المجال؛ نظراً لوسامته وتمتعه بكاريزما خاصة تشبه رواد هوليوود. حتى قام بتفجير القنبلة الموقوتة، بعد عزمه رسمياً الترشح لرئاسة "فيفا" ومناطحة الرؤوس الكبيرة، كالعرّاب سيب بلاتر، والأمير علي بن الحسين، ليضرب موعدا مع إثارة الجدل، حول هوية هذا الرجل الذي قرر تغيير قواعد اللعبة دون سابق تحذير.

مسيرة غريبة الأطوار
ولد دافيد جينولا في يناير 1967 في مدينة تولون الفرنسية، وبدأ مسيرته الكروية سريعاً مع بعض الفرق الصغيرة، حتى تحقق حلم حياته، والتحق بفريق باريس سان جيرمان في بداية عام 1992، ليتحول سريعاً إلى أحد نجوم الكرة الأوروبية بعد قيادته الفريق العاصمي إلى بطولة الدوري لسنة 1994، بعد غياب لمدة ثماني سنوات عن التتويج، ويحصل نتيجة تألقه اللافت على جائزة أفضل لاعب في فرنسا للعام نفسه.

ورغم شهرته المميزة على الصعيد المحلي، إلا أن جينولا لعب مباريات قليلة مع منتخب الديوك، وفشل في وضع بصمته، رغم كل ما يمتلكه من مهارات، وذلك بسبب الذكرى السوداء للمباراة الشهيرة بين فرنسا وبلغاريا ضمن التصفيات الأوروبية المؤهلة إلى كأس العالم 94 في الولايات المتحدة الأميركية، بعد الفاجعة السيئة على ملعب حديقة الأمراء.

تحتاج فرنسا إلى نقطة واحدة للتأهل والنتيجة 1-1 بين الفريقين، ويحصل جينولا على فرصة سهلة جداً لإضاعة الوقت، لكنه يرفض التلاعب بالكرة ويرسلها عرضية بائسة، ليخطف الفريق البلغاري الكرة ويسجل هدفا قاتلا في الدقيقة الأخيرة، ويخرج الفرنسيون من التصفيات مع أشهر تصريح لمدربهم جيرارد هولييه "دافيد جينولا هو المتهم الأول، هو أرسل طعنة إلى قلب الكرة الفرنسية، جينولا ارتكب جريمة في حق الفريق، أكرر مرة أخرى، لقد ارتكب أكبر جريمة ممكنة".

القرار الصعب
أدرك جينولا أن أيامه في بلاده أصبحت معدودة، لذلك لم يلعب للمنتخب الفرنسي كثيراً بعد ذلك التاريخ الصعب، وقرر بعد عام واحد فقط الرحيل إلى بطولة أخرى ودوري جديد، لتتصارع عليه كبرى الأندية الأوروبية، ويدخل الثنائي ريال مدريد وبرشلونة على الخط، بعد وصف الصحف المدريدية اللاعب بأنه ساحر من نوع خاص، بينما تغزّل فيه الهولندي الكبير يوهان كرويف، مدرب البارسا الذي أبدى إعجابه الشديد بمهارات الفرنسي، مؤكداً أنه أفضل جناح في العالم.

لكن دخل فريق نيوكاسل سريعاً على الخط، وخطف اللاعب، بعد أن دفع مقابلا أكبر لفريق باريس سان جيرمان، لتتحول وجهة النجم الوسيم إلى إنجلترا، ويكتشف نفسه من جديد كأحد الأجنحة المتوهجة في التاريخ الحديث للساحرة المستديرة، بعد تألقه اللافت مع فريقي نيوكاسل وتوتنهام، ثم اعتزاله اللعب مع أستون فيلا ثم إيفرتون في عام 2002، ليتم تكريمه كأحد أعظم اللاعبين في تاريخ الدوري الإنجليزي، ويحصل خلال سنوات لعبه على جائزة أفضل لاعب في إنجلترا لسنة 1999.

تكمن قيمة جينولا في أنه مختلف عن أقرانه، لأن مركز الجناح في التسعينيات كان يخص اللاعب السريع الذي ينطلق على الخط ويلعب عرضياته داخل منطقة الجزاء، لذلك يوجد اللاعب الأيمن على الجبهة اليمنى، والأيسر على الجبهة الأخرى وهكذا. لكن الفنان الفرنسي عُرف عنه مهارته الشديدة بالكرة وبدونها، مع قدرة حقيقية على المراوغة والاختراق الطولي والعرضي، لذلك كان يتفوق دائماً على أي مدافع مهما بلغت درجة صلابته.

هذه الأمور جعلت من دافيد جناحا مذهلا، يلعب على اليمين ويتحول إلى اليسار، ويصبح مهاجما متأخرا عند الحاجة، ولا يكتفي فقط بصناعة الأهداف، بل يقوم بتسجيلها، لذلك سجل 81 هدفا خلال مسيرته الطويلة مع الملاعب، ووصفه المهاجم الشهير ألان شيرار بأنه أفضل جناح ممكن لعب معه، لأنه يجعل المباريات أسهل، ويعرف كيف يلقي بالكرات داخل مناطق الجزاء، وكأنه يمارس الكرة بيده لا بقدمه.

خارج المستطيل الأخضر
بعيداً عن كرة القدم وعالم التمثيل، كان لجينولا جولات أخرى في معقل الإدارة الرياضية، بعد عمله كسفير رسمي في حملة باريس 2012 لتنظيم الأولمبياد الأخيرة، كذلك يعتبر أحد أهم السفراء للاتحاد الفرنسي لرياضة الجولف، مع استعانة إنجلترا به خلال حملتها الأخيرة لتنظيم كأس العالم، ليصبح جينولا أحد الرياضيين القلائل الذين يجمعون بين الأصالة الفرنسية والانتماء الإنجليزي، وظهر هذا جلياً في تمثيله للبلدين خلال المؤتمرات الدولية الشهيرة.

وفي مقابلة أجراها الصحافي جراهام هانتر مع دافيد جينولا بعد عزمه الترشح لرئاسة "فيفا"، قال اللاعب المعتزل إنه اتخذ القرار لاقتناعه التام بأن بلاتر حصل على فرص عديدة، ويكفي كل السنوات السابقة. كذلك تحدث جينولا عن اتصاله الهاتفي مع جوان لابورتا رئيس برشلونة الأسبق، وتأكيد الإداري الكتالوني له بأن الشباب يجب أن يحصلوا على فرصة، مؤكداً أن دافيد بمثابة الاسم اللامع كلاعب كبير ونجم حصل على تقدير كبير في الملاعب الفرنسية والبريطانية.

وأوضح المرشح المحتمل عن جانب مهم في مسيرته، بعد عمله كسفير رياضي رفيع المقام مع منظمة "يونيسيف"، ليطرح أولى نقاط برامجه الخاصة بالثقة، التي تعتبر مفقودة من وجهة نظره بين ممثلي الفيفا والجماهير الرياضية خلال السنوات القليلة الماضية، معترفاً في المقابلة بصعوبة فرصه، بل ندرتها، لكنه يأمل في مواصلة المغامرة حتى النهاية، بعد عزمه رسمياً المشاركة في السباق الطويل الخاص برئاسة أكبر مؤسسة كروية في العالم.

المستحيل
يحظى جينولا بدعم من إحدى شركات المراهنات، ويضم فريقا خاصا يعمل معه من أجل إكمال إجراءات الترشح، ورغم أن الجانب المالي متوافر بسبب الرعاة، إلا أن هناك بعض القيود التي يحتاج إلى تخطيها قبل الدخول بشكل رسمي في السباق، ويجب أن يحصل على ثقة خمسة اتحادات أهلية، وذلك قبل نهاية الشهر الحالي، مع بعض الأمور والشروط الأخرى، وبالتالي فرص ترشحه تخضع لخاصية الممكن، أما فكرة فوزه بالسباق فتندرج تحت مسمى: المستحيل.

"كرة القدم رياضة وليست سياسة، الأموال أفسدت جانبا كبيرا من قيمة اللعبة، ويجب أن نعمل على تقليل هذه السلبيات، وأن نعود إلى البدايات، حيث ترتبط الكرة بالجمهور، لأنها في النهاية لعبة الجماهير، وأعلم جيدا أن هذه الأفكار من الصعب تحقيقها، لكنني سأحاول حتى النهاية". هكذا ختم جينولا تصريحاته، قبل دخوله دائرة الضوء من الباب الكبير، في انتظار ماذا سيحدث خلال الأيام القادمة.