جولة استطلاع روسية
حملت زيارة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، تركيا، وقد التقى فيها نظيره التركي، رجب طيب أردوغان، أقاويل كثيرة، بتوقيتها ومضمونها، على الرغم من الإعلان الرسمي عن زيادة التبادل التجاري بين البلدين. فالعلاقات التجارية، والتي تشكّل حاجة لهما، ولا سيما في مجال الطاقة، وخصوصاً الغاز الروسي الذي يصل عبر الأنابيب التركية، إضافة إلى حاجة روسيا لرفع العزلة عنها، بعد العقوبات الأخيرة التي فرضها الغرب على خلفية الملف الأوكراني. ذلك كله طرح أسئلة عديدة، ليس فقط حول الحاجة الاقتصادية، بل العلاقات السياسية، خصوصاً أن الخلاف لا يزال قائما على خلفية الموقف من الأزمة في سورية، وموقف أردوغان شخصيا الداعي إلى إطاحة الرئيس السوري بشار الأسد.
جاءت الزيارة، أيضاً، بعد سلسلة لقاءات عُقدت في موسكو، وجمعت المعارضة السورية كما النظام، كلّا على حدة، من أجل استطلاع الأجواء، لإعادة البحث في جنيف1، واستكمال العملية السياسية. ولو أن التوقيت يبقى رهناً ببقية اللاعبين الإقليميين والدوليين، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة وإيران والسعودية وتركيا وأوروبا، كما في الظروف على الأرض، ولا سيما أن الموفد الدولي، ستيفان دي ميستورا، كان قد اقترح تجميداً للمعارك في حلب، وهو طلب لم يتم اعتماده بعد، إلا أن مراقبين عديدين رأوا في هذا الطلب موقفاً دولياً إيجابياً، باتجاه تشجيع العملية السياسية.
تم في زيارة بوتين إلى تركيا، والتي سبقتها لقاءات لوزير الخارجية السعودي، سعود الفيصل في موسكو، البحث، أيضاً، في الملف السوري، إضافة الى موضوع انخفاض أسعار النفط الذي تحمّله روسيا للسعودية والولايات المتحدة الأميركية، للضغط عليها وعلى طهران، نتيجة خسارتهم العائدات النفطية، تبعتها زيارة للموفد الرئاسي الروسي، ميخائيل بوغدانوف، إلى لبنان، وهي محطة مهمة في إطار الدور الروسي الاستكشافي.
زيارة بوغدانوف التي حرص فيها على عقد اجتماعين مع حزب الله، مع رئيس كتلة الوفاء للمقاومة، النائب محمد رعد، ومع الأمين العام للحزب، السيد حسن نصرالله، أراد منها الموفد الروسي البحث في التطورات السورية الميدانية والاستماع لوجهة نظر حزب الله المشارك على الأرض، كما البحث في ملف الإرهاب، لما يشكله هذا الملف من هاجس للإدارة الروسية، بعد المعاناة التي عاشتها موسكو، نتيجة العمليات الإرهابية، وهي التي كانت قد طرحت الملف أولوية في مؤتمر جنيف2 الذي بحث في العملية السياسية السورية.
الدبلوماسي بوغدانوف، وعلى الرغم من كلامه عن دعم الاستقرار في لبنان، وحديثه عن قناعته بسياسة النأي بالنفس وإعلان بعبدا، إلا أنه لم يشأ إعطاء انطباع بأنه يحمل مقترحات معينة، فيما يتعلق بالأمور العالقة في الداخل اللبناني، ولا سيما موضوع رئاسة الجمهورية، لأنه جاء مستطلعا الشأن السوري من البوابة اللبنانية، ومن هنا، اهتمامه الفعلي للقاء قيادات حزب الله.
صحيح أن روسيا موجودة في المنطقة، ولديها قواعدها في سورية، وصحيح أن طموحاتها بلعب دور سياسي في المنطقة مشروعة، نتيجة علاقاتها مع النظام في سورية، إلا أن هذه الجولة الاستطلاعية لبوتين في تركيا لم تستطع أن تتجاوز الحاجة الاقتصادية للبلدين، مع فتح الأفق المستقبلي في السياسة، من أجل إدارة الخلاف في الملف السوري، الذي لا يزال الحل السياسي فيه يحتاج إلى أكثر من عمليات الاستطلاع.