أوباما ليس يسارياً
عندما تم انتخاب الرئيس الديمقراطي، باراك أوباما، في ولايته الأولى في العام 2008، أول رئيس أسود للولايات المتحدة الأميركية، ذرف كثيرون الدموع فرحاً، غير مصدقين ما يرونه من تجاوز للصراع العنصري بين السود والبيض، واعتقد كثيرون أن أميركا دخلت، فعلاً، في مرحلة تحوّل في سياساتها الداخلية، كما الخارجية. سلك أوباما خارطة طريقه، وحمل مشروعه الصحي الذي بات يعرف باسم "أوباما كير" كأبرز إنجازاته الداخلية، وهو واجه معارضة شرسة من خصومه الجمهوريين، مع إعلانه أن سياساته ستكون مناقضة لسياسة سلفه جورج دبليو بوش.
في بداية عهده، واجه أوباما الأزمة الحادة الاقتصادية، نتيجة الأزمة المالية العالمية، واستطاعت واشنطن تجاوزها، على الرغم من الانهيارات التي حدثت في عدة مجالات، وأبرزها العقارية. وأطلق مشروعه الصحي الذي تأخر كثيراً قبيل وصوله إلى المواطنين، وفي معرض انتقاد الجمهوريين له، وصفوه باليساري والاشتراكي، بسبب سياسته الموجهة إلى الطبقات الوسطى والفقراء، على الرغم من بقاء الأغنياء في مواقعهم.
بعد ست سنوات، وفي منتصف ولاية أوباما الثانية، عادت مسألة التمييز العنصري إلى الواجهة، مع التظاهرات الحاشدة التي عمت واشنطن ونيويورك، من أجل إحقاق العدالة، بعد عمليات قتل أشخاص سود على أيدي رجال شرطة بيض في فيرغسون ونيويورك، ولعل أبلغ تعبير جاء من الشعار الذي رفع في إحدى هذه التظاهرات "لا تطلق النار أنا أبيض". وبرز هذا المشهد بوجه أوباما، كما التقرير عن تعذيب "سي آي إيه" المساجين.
في السياسة الخارجية، قيل الكثير في أداء أوباما الذي وصفوه بالمتردد والضعيف، والذي يهرب من المواجهة، ويختار المعالجات طويلة المدى، ويتراجع عن قرارات، كما حصل في سورية، وهو في المواجهة مع داعش، حاول التهرب من المسؤولية، عبر تشكيل تحالف دولي، وتحدث عن حرب ثلاث سنوات.
فاجأ أوباما الذي أراد أن يحدث خرقاً في سياسته الخارجية المقربين منه، قبل خصومه، في العام الماضي، في اتصاله بالرئيس الإيراني، حسن روحاني، بعد ثلاثة وثلاثين عاماً من القطيعة، ومن بعدها الإعلان عن المفاوضات في عُمان بين الأميركيين والإيرانيين، والتي فتحت الباب أمام المفاوضات الإيرانية مع الدول الست، وتخفيف العقوبات عن إيران. كان لذلك كله ترددات في الداخل الأميركي، كما في الخارج، انعكست على موقع أوباما، وهو دفع ثمنها بمواجهة وهجمة جمهورية واسعة استخدمها الحزب الجمهوري في معركته الانتخابية ضد الديمقراطيين، والتي حققوا فيها انتصاراً كاسحاً في الكونغرس، بمجلسيه الشيوخ والنواب، كما عرّضت علاقات أميركا مع حلفائها إلى توترات، وفي مقدمتهم إسرائيل والمملكة العربية السعودية.
جاءت المفاجأة الثانية، في هذه المرة، من كوبا، بعد اتصال هاتفي تم بين أوباما والرئيس الكوبي، راؤول كاسترو، وأعلن بعده عن عودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، بعد عملية تبادل لمعتقل أميركي متهم بالتجسس في هافانا في مقابل ثلاثة من التابعية الكوبية، متهمين بالتجسس في أميركا.
أراد أوباما الخطوة الكوبية لتضاف إلى إرثه الرئاسي على المستوى الخارجي، بعد فتح القناة مع إيران، على الرغم من عدم توقيع الاتفاق بعد، وهي ستطرح جدلاً واسعاً مع الكونغرس الجمهوري، خصوصاً فيما يتعلق بنقطة رفع العقوبات عن كوبا. في الماضي، اتُهم أوباما بتوجهه الاشتراكي. اليوم، ومع أول زيارة للرئيس الكوبي، راؤول كاسترو، إلى واشنطن، لن يتردد الجمهوريون باتهامه باليسارية، وربما برفع صورة غيفارا أمام البيت الأبيض، احتفاء بالضيف الكريم.