جوزيف غيبونز: عملية سطو كفن أدائي

29 يوليو 2015
جو غيبونز في محكمة مانهاتن الجنائية (تصوير: ستيفن هيرش)
+ الخط -

يستوحي فنان الأداء الأميركي جوزيف غيبونز شغبه من الدادائية والمستقبلية، ومن عبارة الشاعر الفرنسي رامبو "على الشاعر أن يهبط إلى عمق كل ما هو سيئ ويعود ليدوّن ما حدث".

وصل حدّ الشغب عند غيبونز إلى السطو على بنك في نيويورك متذرّعاً بالفن. تقدّم الفنان إلى أمين الصندوق في البنك وفي يده ورقة كتب عليها "هذه عملية سطو"، فما كان من الموظف إلا أن أعطى النقود للصّ الفنان، الذي هرب بغنيمة لا تتجاوز 1002 دولار أميركي.

ألقت الشرطة القبض على غيبونز بعد أن صوّرته كاميرات البنك. لم يتطلّب الأمر عناء كبيراً، وخاصة أن الفنان كان قد صوّر عملية السطو برمّتها بكاميرته، وأصبح توثيقه لعمله وسيلة أخرى لإثبات جريمته. صدر قرار المحكمة بحبسه لمدة سنة، فيما اعترف أن الدافع الاقتصادي والضائقة المالية يقفان خلف اختياره فكرة عرضه الأدائي الجديد.

غيبونز هو أكاديمي أميركي ومحاضر في عدة جامعات في المسرح والتكنولوجيا، وإضافة إلى أنه فنان أداء، فقد أخرج العديد من الأفلام السينمائية التجريبية من بينها "العبقري" و"تجسّس" و"اعترافات المعتل اجتماعياً". وفي الفيلم الأخير، يظهر غيبونز وهو يخاطب الكاميرا: "أنا جو غيبونز. لست بحاجة إلى العمل، فأنا قادر على الحصول على ما أحتاجه".

بالفعل، سطى غيبونز على البنك بعد أن فقد وظيفته الجامعية، وكان هذا التفصيل أحد أسباب إدانته. ولكن ضآلة المبلغ وقيامه إلى جانب تصوير عرضه/سطوه زادا من رأفة القضاة. لم يكن القضاة هم الوحيدين المتردّدين أمام هذا المستوى من خلط الواقع بالفن، بل أثار الموضوع الرأي العام والأكاديميين والفنّانين.

فتحت مسألة أن يبقى الأكاديمي الذي تجاوز عمره الستين عاماً بلا عمل نقاشاً آخر حول مفاهيم حقوق المواطنين، ومطالبة الدول والبنوك للفرد والمجتمع أن يهبطوا بمستوى معيشتهم أكثر. وبالطبع أثار عمل غيبونز نقاشاً أكثر حدّة حول تداخل الفن مع الواقع. ولكن عرضه وصل إلى مستوى يتداخل فيه الفن مع العبث ومع الواقع.

مسألة خلط الفن بالواقع قديمة من حيث النظرية والتطبيق، ولكن الجديد هو تداخل اللامعقول مع الواقع مع الفن، وهو السؤال الأكثر إلحاحاً في وقتنا الحالي، إذ يَقبل العديد من المتفرجين العبث واللامعقول الذي يطرحه الفن عليهم كأمر واقع، كما هو الحال في شخصيات أندي كاوفمان وتجهيزات غوميز بينيا وفيديوهات ساشا كوهين واستفزاز مارينا إبراهيموفيتش والسطو الضئيل الذي قام به غيبونز.

أين مكمن الجريمة في عرض "هذه عملية سطو"؟ هل هي السرقة أم الهروب؟ هل كان سيبدو الأمر مختلفاً لو أعاد غيبونز المال إلى البنك؟ غيبونز نفسه قام بعملية أخرى في بنك في ما سبق عندما أخذ نقوداً بحجة أنها تبرّع إلى الكنيسة.

صحيح أن هناك العديد من الأعمال الفنية التي استولت على نقود الناس وهرب بها الفنانون، لكن لا ينبغي أن ننسى أن هناك من يقاضي الفنانين والأماكن التي يعرضون أعمالهم فيها، ويطالب بنقوده في حال لم تُرض هذه الأعمال ذائقة الجمهور.

كان المسرح والفن عموماً "المنبر الأدهى" لقول الخارج عن الأعراف، بحجّة أن من قال الكلام هو شخصية وهمية، وأن التفوّه بما هو محظور جاء ضمن نطاق الفن. وعندما خرج الفن إلى الشارع تداخل ما هو مسموح في الفن الحي بما هو ممنوع قانونياً.

لا يزال القانون يزجّ فنانين في السجن بسبب أعمالهم أو أقوالهم، ولكن قد يكون السجن خياراً بالنسبة لـ غيبونز وفناني الأداء، إذ قد يجدون فيه انحداراً إلى عمق كل ما هو سيئ مرّة أخرى ليعودوا ويدوّنوه، كما نصح رامبو الشعراء.

دلالات
المساهمون