جنسيّة الفقير

26 سبتمبر 2015
السائق اللبناني يكيل الشتائم لزميله السوري (فرانس برس)
+ الخط -
أكثر ما يزعج سائق سيارة الأجرة في بيروت هو ذلك السوري، الذي ينافسه على لقمة عيشه. لا يهمه إن كان نازحاً وفقيراً، ويكاد يموت من الجوع. حين يواجه بكلمات كهذه، يرد بأنه فقير مثله. السائق اللبناني لا يطلب الكثير. كذلك السائق ـ النازح.

في السيارة نفسها، التي كان السائق اللبناني يكيل فيها الشتائم لزميله السوري، كانت المذيعة اللبنانية تبكي على شباب لبنان الذين يهاجرون إلى الخارج بسبب عدم توفر فرص عمل. وتسأل: "هل يحل النازحون السوريون مكانهم؟".

وإذا صودف أنّ السيارة نفسها كانت تقل امرأة إلى محل تصفيف الشعر، قد تُفاجأ باستبدال الحلاقين اللبنانيين بآخرين سوريين، لأنهم يحصلون على رواتب أقل.

السيارة نفسها ربما تُتابع طريقها إلى شارع الحمراء. هناك، اللهجة السورية طاغية. لا شك في أن السائق سيتذمّر، ويعود بسرعة إلى منطقة أخرى فيها سوريون أقل. يفكر أن البلديات في عدد من المناطق تمكنت من الحد من شراء المسلمين في المناطق ذات الغالبية المسيحية، برضى حزبي، لكنهم ما زالوا يسمعون اللهجة السورية. هم أنفسهم يتضايقون منهم ويستهينون بهم لأن رواتبهم أقل.

في الشارع نفسه، يسأل لبنانيون إن كان السوريون المقتدرون يساعدون مواطنيهم الفقراء. لا يحصلون على جواب. سؤالهم غريب. يعطون جنسية للإنسانية. كأننا في الوقت الحالي نسأل عن جنسية الفقير. ومن خلالها، نشفق أو نساعد.

التغير الديموغرافي ربما حاصل وسيحصل أكثر. هذا ما تخشاه الدول الأوروبية أيضاً، وإن كانت تريد اللاجئين لأسباب اقتصادية. هل تكون هذه عنصرية؟ ربما، وإن كان الخوف حقّاً. لا ليس حقّاً. لنقل مُبرّراً. وحين نبرّر، قد نكتشف أن الإنسان هو ذلك الذي نكتب عنه في مقالات أو روايات. في الحقيقة، لا وجود له. الدول التي تحترم إنسانها، ترفض احترام إنسان الآخرين. وهذا الإنسان الآخر يهرع إليها ويحفظ لغتها ولا تقبله. للعرق وطأته. وللتاريخ أيضاً. هل هذه عنصرية؟ ربما.

"اشلونك؟". يسألها بلغته وترد بلغتها. "منيحة (في حالة جيدة)". تفهمه ويفهمها. هذان يجيدان لغة الموسيقى ربما. هناك مثلهما، لكنهم ليسوا كثراً. ترسبات الماضي والخوف من المستقبل أقوى بكثير. هناك ثقافات وعادات وأفكار تآلفت في ما بينها في بقعة جغرافية، قبل أن تنتقل إلى بقعة أخرى. لوهلة، قد يبدو المستضيف أقوى، كونه صاحب الأرض.

لا أحكام في الأزمات الإنسانية. علينا فقط أن نشعر. وكلما غلبتنا أحقادنا، يكفي أن ننظر إلى عيني طفل جائع.

إقرأ أيضاً: لن يسرق الرغيف
المساهمون