وبحسب ضابط في وزارة الداخلية العراقية، فإن "هناك اليوم عمليات انتقام تنفّذ من قبل مليشيات بطلب من أشخاص ضد أشخاص آخرين، في مقابل مبالغ مالية". يقول الضابط، في حديث لـ"العربي الجديد"، إنّ "العمليات التي تنفذها المليشيات تشمل القتل أيضاً". أما المبالغ فتقدّر "بحسب نوع المهمة، وتصل إلى مبالغ عالية في حالات القتل". وفيما يشير إلى أن "عمليات قتل تحصل باستمرار وتقيد ضد مجهولين"، يؤكد أنّ "هناك أدلة تؤكد ضلوع مليشيات مسلحة خلف تلك العمليات". ويوضح أنّ "بعض القتلى لديهم خصومات مع أشخاص محددين، وحين تتم العملية عن طريق المليشيات تبطل الأدلة ضد الخصم الآخر".
من جهته، يروي المقاول علي الدراجي لـ"العربي الجديد" كيف تمكن، بعد الاستعانة بإحدى المليشيات، من استيفاء مبالغ مالية من شريكه في المقاولات، بعدما رفض الأخير، الذي ينضوي أيضاً في إحدى المليشيات، اعطاءه حقوقه عقب فض الشراكة بينهما. ويوضح الدراجي أنه اتفق مع مليشيا أخرى لها سلطة قوية، لاسترجاع حقوقه مقابل دفعه 10 في المائة من المبلغ لها.
اقرأ أيضاً العراق: اعتقالات وانتشار للمليشيات يرعبان أهالي بغداد
بدوره، يرى جمال عدنان أن "العمل وفق مبدأ أهون الشرّين يضطر الكثيرين إلى التعاون مع المليشيات"، موضحاً لـ"العربي الجديد" أن الأخيرة "أقوى من الأجهزة الأمنية، وأسرع تنفيذاً إذا ما استدعى الأمر طلب معونتها"، مستدركاً بالقول "لكن هذا لا يعني أن وجودها أفضل، لكنه أمر واقع وعلينا التعامل معه".
وتملك المليشيات في العراق قوة وسلطة أكبر من القوات الأمنية الرسمية، ولا سيما بعدما اعتمدتها الأحزاب المسيطرة على السلطة في العراق، ثم مكنها رئيس الوزراء السابق نوري المالكي (2006-2014) من أن تكون الأكثر سطوة في الشارع العراقي.
من جهته، يصف صلاح العبيدي وجود المليشيات بأنه "عودة إلى حياة الغابة أو عصر الجاهلية، الذي لا بد فيه من اعتماد الضعيف على القوي لأجل الحصول على حقوقه، بعدما غاب القانون"، شارحاً كيف اضطر لدفع مبلغ 10 آلاف دولار أخيراً لإحدى المليشيات، لأجل تحرير ابنه المختطف.
يقول العبيدي لـ"العربي الجديد": "أعلم جيداً أني دفعت المبلغ لنفس الجهة الخاطفة التي كانت تطالب بمبلغ 40 ألف دولار، لكني حين ذهبت إليهم طلبت معونتهم وأخبرتهم بأن مسلحين خطفوا ولدي وليس أمامي سواكم أطلب معونتهم، أخبروني بأنه لن يهدأ لهم بال إلا وولدي معي في غضون 24 ساعة. وبالفعل تحقق ذلك، ودفعت لهم المبلغ الذي طلبوه".
ووفقاً لمراقبين، فإنه لا يمكن بوجود القوة والسلاح والنفوذ التي تتمتع بها المليشيات أن تتخلى هذه الجهات المسلحة عن استحصال واردات مالية بطرق شتى، حتى وإن كانت على حساب أمان المواطنين. وهو ما يؤكده المحلل السياسي محمد أمين، مشيراً إلى أن "قادة المليشيات وأبرز عناصرها هم من أصحاب السوابق الجرمية، الذين أطلق سراحهم عقب احتلال العراق في 2003، وهؤلاء من الصعب أن يتجردوا عن طباعهم، ولا سيما وهم يملكون اليوم نفوذاً كبيراً".
وكانت المليشيات حتى وقت قريب تمول نفسها عن طريق عقود ومشاريع في غالبيتها "وهمية"، بحسب ما تكشّف لـ"العربي الجديد" من خلال موظفين في داخل المؤسسات الحكومية، يعملون في مجال المشاريع والمناقصات والعقود. كذلك يؤكد موظفون في أقسام العقود والمشاريع في الوزارات الحكومية لـ"العربي الجديد" أن المليشيات كانت تحصل على أموال طائلة من خلال استحصالها على عقود شراء وتجهيز ومشاريع مختلفة خلال السنوات الماضية وذلك بفضل نفوذها ودخولها منافسات غير نزيهة، إذ تعتمد على تهديد منافسيها من المقاولين والمستثمرين، لتحصل بالنتيجة على المشاريع أو العقود المختلفة.
لكن يشير محمد الربيعي، وهو أحد المسؤولين عن إرساء المناقصات في دوائر الدولة، في حديث لـ"العربي الجديد" إلى أنّ هذا "الأمر لم يعد كما كان في السابق. الآن توقفت تلك المشاريع بسبب عجز ميزانية الدولة".
اقرأ أيضاً الخطة الأميركية لتحرير الموصل: 3 مراحل جوية وبرية