جعجع ــ عون... حسابات الطرفين من الترشيح والاتفاق السياسي

20 يناير 2016
عون وجعجع وزوجة الأخير ستريدا (ألدو أيوب)
+ الخط -

رشّح رئيس حزب القوات اللبنانية، سمير جعجع، خصمه المسيحي الأول، رئيس تكتل التغيير والإصلاح، النائب ميشال عون، لمنصب رئاسة الجمهورية الشاغر منذ مايو/أيار 2014. قلب هذا التفاهم الطاولة على فريقي 8 آذار (بزعامة حزب الله) و14 آذار (بزعامة تيار المستقبل)، وبات الجميع محرجاً من التوافق المسيحي الداخلي، على اعتبار أنّ من شأن هذا التوافق فضح المعرقلين الحقيقيين لانتخابات الرئاسة. هكذا، بات ثمة إجماع بين أقوى طرفين مسيحيين على اسم عون، ومن يقف بوجهه سيكون معارضاً لحقوق الطائفة المسيحية وتمثيلها.


بالنسبة لعون، تحقق إنجاز تاريخي، إذ حظي بدعم منافسه الأزلي سياسياً وشعبياً، وبات على مدخل القصر الرئاسي، وهو الطموح الذي وضع على أساسه كل خططه السياسية. فيوم خرج عون من بعبدا (مقرّ الرئاسة، شرقي بيروت) على وقع غارات الطيران السوري واجتياح عسكره للمناطق المسيحية في 13 أكتوبر/تشرين الأول 1990، حافظ على وعد العودة إلى الرئاسة. وخلال فترة نفيه إلى فرنسا (1990-2005)، كان شعار "عون راجع" يعني رجوعه إلى لبنان وإلى بعبدا تحديداً، لتكليل نضاله العسكري والسياسي وقطف ثماره. وطوال العقد الماضي، عزّز عون هذا الطموح بكتلة نيابية كبيرة (27 نائباً) وأخرى وزارية أساسية، لكن اختراق الاصطفاف السياسي بين فريقي 8 آذار و14 آذار ظلّ مستحيلاً، إلى أن حصل التفاهم مع جعجع وتحوّل عون إلى الاسم المسيحي الأول.

يعرف عون أنّ كل جهوده السياسية والانتخابية لن تعني له شيئاً إلا إذا عاد إلى رئاسة الجمهورية. هذا الطموح دفعه قبل عامين إلى فتح حوار مباشر وسري مع خصمه، زعيم تيار المستقبل، الرئيس سعد الحريري. فشلت المحاولة وعادت الأمور إلى نقطة الصفر، إلى أنّ عرف "الجنرال" (لقب عون منذ كان قائداً للجيش اللبناني خلال الحرب الأهلية) كيف يتعامل مع القوات اللبنانية وقائدها سمير جعجع. الأخير، يعلم تماماً أيضاً أنّ الطموح الشخصي لعون أكبر من أي شيء آخر، فعرف كيف يلعب على هذا الوتر ليحقق مكاسب سياسية فعلية وجديّة على حساب عون ومواقفه. جاء دعم جعجع لعون، بناءً على ورقة سياسية اتفق عليها الطرفان بصفتها "نواة برنامج عمل الرئيس المُقبل"، بحسب ما قال جعجع.

اقرأ أيضاً: وحدة المسيحيين... ذكريات تخنق

نصّ هذا البرنامج الانتخابي على مجموعة من البنود، أبرزها:
أولاً، "تأكيد الإيمان بلبنان وطناً نهائياً سيداً حراً، وبالعيش المشترك، والالتزام باتفاق الطائف واحترام أحكام الدستور". ما يعني أنّ عون أعلن الالتزام بـ"الطائف" الذي لطالما اعتبره دستوراً وضعه الأوصياء لحكم لبنان وضرب المصالح المسيحية. ويجري النظر إلى هذا البند على أنه تعزيز من جعجع لموقع السعودية الراعية الأولى لهذا الاتفاق. كما أنّ جعجع نجح في فرض بنود أخرى متعلّقة بالمصالح السعودية ودورها، أبزرها "اعتبار إسرائيل دولة عدوة، التمسك بحق العودة للفلسطينيين، وقبول حل الدولتين على أساس مبادرة بيروت 2002 (لكون المبادرة تمّت برعاية السعوديين)". ومن خلال التأكيد من جهة أخرى على "التزام سياسة خارجية مستقلة بما يضمن مصلحة لبنان والقانون الدولي وإرساء علاقات ثقة وتعاون، لا سيما مع الدول العربية، بما يحصن الوضع الداخلي اللبناني"، ما يفسّر على أنه محافظة على الدور السعودي في لبنان وتكريسها ممراً رئيسياً لأي اتفاق أو تطوّر يحصل على الساحة الداخلية.

ثانياً، "تعزيز مؤسسات الدولة وثقافة الاحتكام إلى القانون وعدم اللجوء إلى السلاح والعنف أياً كانت الهواجس". وهو ما يعني أنه لم يعد بمقدور عون الدفاع عن إدخال سلاح حزب الله في المعادلة اللبنانية أو أي حركة أمنية يقوم بها على شاكلة "القمصان السود" (انتشار مئات محازبي الحزب باللباس الأسود للتلويح بخطوات أمنية). ثالثاً، "دعم الجيش معنوياً ومادياً وتمكنيه مع سائر القوى الأمنية من التعامل مع كافة الحالات الأمنية على كامل الأراضي اللبنانية"، أي اعتبار كل الأراضي اللبنانية تابعة لسيادة السلطة اللبنانية، في حين أنّ الدولة تغيب عن مربعات أمنية ومناطق واسعة خاضعة لنفوذ أحزاب، تحديداً حزب الله من خلال الضاحية الجنوبية لبيروت (خزانه البشري والأمني على مدخل بيروت الجنوبي) ومناطق أخرى في البقاع (شرقي لبنان).

رابعاً، الاتفاق على "ضبط الأوضاع على طول الحدود بين لبنان وسورية وبالاتجاهين، وعدم استخدام لبنان منطلقاً لتهريب السلاح أو المسلحين". ولا يمكن وضع هذا البند سوى في وجه مشاركة حزب الله في الحرب السورية، ولو أنّ الحزب بات يجاهر بتدخّله السوري ولا يتعامل مع الموضوع كـ"تهريب للسلاح والمسلحين"، إذ يدخل ويخرج السلاح من وإلى سورية علناً.

خامساً، "العمل على تنفيذ القرارات التي تم التوافق عليها في طاولة الحوار الوطني"، وهي المقررات التي سبق ودفعت حزب الله إلى الاعتكاف ومقاطعة الحوار الذي سبق وترأسه رئيس الجمهورية السابق، ميشال سليمان. فمن هذه المقررات مبدأ "النأي بالنفس" تجاه التطورات الخارجية، في حين أنّ الحزب بات مشغولاً في سورية واليمن والعراق والبحرين والكويت. كما من مقرراته نزع السلاح من المخيمات الفلسطينية، تمهيداً لنزع السلاح غير الشرعي من لبنان كاملاً، أي سلاح الحزب ضمناً.

توضح كل هذه البنود أنّ جعجع تمكّن من فرض العدد الأكبر من شروطه على عون سياسياً، وأجبره على تقديم تنازلات كبرى على مستوى مواقفه وعلاقاته بحليفه الأساسي حزب الله.

اقرأ أيضاً أصوات البرلمان اللبناني: 75 لفرنجية و47 لعون