جريمة الإخفاء القسري تطارد المجتمع المصري

09 يوليو 2015
الطلاب هم الأكثر تعرّضاً للاختفاء القسري (Getty)
+ الخط -
الاختفاء القسري ظاهرة جديدة في مصر تزايدت بشكل ملحوظ في الفترة الأخيرة، ويبدو أنها ستستمر لفترة ليست بقصيرة في ظل هذا الوضع الذي تعتبره الحكومة وضعاً استنثنائياً، فمع أن وزارة الداخلية المصرية تنفي احتجاز أي مواطن في أماكن غير معلومة ودون تحقيق، إلا أن الوقائع والأدلة توضح أن الإخفاء القسري بات وسيلة يستخدمها النظام الحالي متمثلاً في وزارة الداخلية كاستراتيجية لبث الرعب بين أفراد المجتمع المصري. إذ لا يقتصر الشعور بالخوف وانعدام الأمن الناتجين عن الاختفاء القسري على أقارب الضحايا فقط، بل يطال المجتمع المصري بمختلف طوائفه واختلافاته الفكرية والسياسية.


سعد عبد السميع الدويك (21 سنة)، هو آخر المختفين قسرياً ومسؤول أحد الأنشطة بجمعية رسالة الخيرية فرع الدقي، اختطفته قوات الأمن يوم 28 يونيو/ حزيران 2015 وإلى الآن تنفي وزارة الداخلية احتجازه. رغم تأكيد والده، عبدالسميع الدويك، لـ"جيل العربي الجديد"، أن قوات الأمن اختطفته من مقر رسالة بالدقي، مضيفاً أن ابنه كان يؤدي عمله الخيري في مقر رسالة بالدقي وأنه لا علاقة له بأي تيار سياسي وتساءل: هل ذنب ابني أنه يحب مساعدة الفقراء؟!.. لقد تقدمنا بتلغرافات لوزير العدل ولوزير الداخلية وللنيابة العامة، ولكن أحداً لم يلتفت لنا، كما أننا بحثنا عنه في قسم الدقي وقسم العجوزة وكل الأقسام القريبة من منطقة الدقي وتم عمل محضر رسمي في قسم منشية القناطر التابع له ابني ولكن كل هذا دون جدوى.
وأضاف أن أحد المحامين أبلغه أن ابنه ربما يكون في أحد مقرات أمن الدولة، ولكن من يجرؤ على الاقتراب من مقرات أمن الدولة؟! حسب قوله.

هكذا هو الحال، فالداخلية دائماً تنفي أنها تحتجز المواطنين في أماكن غير معلومة، ولكن هذا النفي لا يتّصف بالمصداقية، خاصة بعد ظهور إسراء الطويل في سجن القناطر بعد 15 يوماً من اختفائها.

وفي تصريح لـ"جيل العربي الجديد"، تقول لنا آلاء الطويل عن شقيقتها إسراء التي اختطفت من الشارع مع زميليها صهيب وعمر يوم 1 يونيو/ حزيران الماضي، إنها لم تعلم عن شقيقتها أي شيء لمدة 15 يوماً وأنها علمت بالصدفة عن وجود إسراء في سجن القناطر عن طريق إحدى زميلاتها.

وتضيف آلاء: لكن سجن القناطر نفى احتجاز إسراء. وأخيراً تم عرضها على النيابة بعد 15 يوماً من اختطافها. تحكي آلاء أن قوات الأمن اقتحمت المنزل حتى يبحثوا عن أي اتهام لإسراء، وأخذوا الـ"لاب توب" الخاص بإسراء ليجدوا لها اتهاماً مناسباً واتهموما بنشر أخبار كاذبة والانضمام لجماعة إرهابية. وتكمل حديثها بصوت مليء بالحزن: إسراء كانت مصابة من قبل، وكانت لا تستطيع المشي على قدميها، وشفاها الله بعد جلسات علاج طبيعي وكهربائي مكثفة، والآن تشعر أنها ستصاب بالعجز مرة أخرى بعد انقطاع العلاج عنها.

أما عن تحقيقات النيابة، فقالت إنها رحّلت بعد ذلك إلى مبنى أمن الدولة بالتجمع الخامس للتحقيق معها، ولكنهم لم يحققوا معها في أي شيء.

الطلاب هم الأكثر تعرّضاً للاختفاء القسري

لعلّنا إذا نظرنا إلى حالة طالب كلية الهندسة بجامعة عين شمس، إسلام صلاح الدين عطيتو، الذي اختطفته قوات الأمن من أمام جامعته، ثم أعلنت وزارة الداخلية عن مقتله يوم 19 مايو/ أيار 2015 في نفس يوم اختطافه بدعوى أنه قاوم بالسلاح، نعلم أنه ربما لم يقتصر الأمر على الإخفاء القسري فقط، بل ربما يصل إلى القتل بعد الإخفاء.

أما أحمد خطاب، طالب الهندسة وأمين اللجنة الثقافية باتحاد طلاب جامعة حلوان ومسؤول طلاب 6 أبريل، فقد اختطفته قوات الأمن من الشارع فجر يوم 30 مايو الماضي، وظل 5 أيام في مكان غير معلوم، ثم أعلن زملاؤه بحركة شباب 6 إبريل أنه موجود بمبنى أمن الدولة بـ"أبو النمرس"، وأنه تعرّض للتعذيب، ثم تم عرضه على النيابة واتهامه بالانضمام لجماعة محظورة، ثم حصل على إخلاء سبيل.

وزارة الداخلية المصرية تطبّق مبدأ "السيئة تعم"، فالاختفاء القسري لا يتعرض له المعارضون فقط، بل يتعرض له ذووهم، دون تفرقة، فربما يختطف الأمن والد المعارض أو أخيه أو زوجته أو أسرته بالكامل.

يحكي سعيد صلاح، لـ"جيل العربي الجديد": سمعت أصوات طلقات النار بكثافة، وذهلت بعدما علمت أنها في بيتنا، وكنت لا أعلم لماذا يطلقون النار؟! فليس في بيتنا سوى أبي وأمي العجوزين وأنا وزوجة أخي. رأيت الشرطة تدمر كل شيء دون سبب. سألوا عن أخي "محمد" فلم يجدوه فاختطفوا والدي البالغ من العمر 62 عاماً، بعدها، بحثنا عنه في كل مكان ولكننا لم نجده وظل مكانه غير معلوم لنا لمدة 15 يوماً، تقدمنا خلالها ببلاغات للنائب العام ولكن دون جدوى!.. بهذه الكلمات يصف سعيد صلاح معاناته وأسرته بعد اختطاف والده صلاح عبد ربه (مزارع يبلغ من العمر 62 عاماً)، يوم 20 يونيو/ حزيران 2015.

اختطفو أبي ثم زوجة أخي ثم أخي

أضاف سعيد صلاح، لـ"جيل العربي الجديد": لم يكتفوا بخطف والدي، ولكن الشرطة اختطفت زوجة أخي يوماً كاملاً بعدما دمروا محتويات المنزل من جديد، أما والدي الذي لا علاقة له بالسياسة والذي يعاني من السكر فأطلق الأمن سراحه بعد 15 يوماً دون عرضه على النيابة!

لم تنتهِ معاناة الأسرة التي تعيش في قرية "ناهيا" بمحافظة الجيزة بعد إطلاق سراح فردين من الأسرة، ولكنها ما زالت تبحث عن محمد صلاح الذي اعتقلته قوات الأمن ومكانه مجهول إلى الآن، حسب قول سعيد صلاح.

اختفاء أسرة كاملة على رأسها ضابط جيش متقاعد

أما نور الدين السيد خليل، فقد اختطفته قوات الأمن من منزله فجراً، وعندما اعترض والده وشقيقه أخذوهم واحتجزوهم في مكان غير معلوم، ثم أفرجوا عن نور وأبيه، ولكن إلى الآن لا يعلم نور مكان شقيقه.

وفي تصريح لـ"جيل العربي الجديد"، يحكي نور ما حدث معه ومع أسرته قائلاً: في فجر يوم 24 مايو الماضي، اقتحمت قوات خاصة من الشرطة منزلنا بمركز السنطة محافظة الغربية، كانوا ملثمين ويحملون السلاح، ودمروا كل محتويات المنزل، ثم اعتقلوني في البداية، فرفض والدي وأخي تسليمي لهم دون تصريح من النيابة، فقاموا باعتقال والدي السيد محفوظ خليل (ضابط جيش متقاعد)، وأخي إسلام السيد خليل (مدير مبيعات).

وعندما سألناه عن كيفية التحقيق معهم قال: تمت "تغمية" أعيننا وأُخذنا لمكان لا نعلمه.. تم التحقيق معي لمدة 48 ساعة متواصلة وأنا معصوب العينين ووثّقوا يدي خلف ظهري، وبين كل تحقيق وتحقيق كان يتم وضعي في زنزانة انفرادية، وبعد الـ48 ساعة التي بسببها لم أحضر امتحاناتي بالكلية، تم الإفراج عني بعد عدة تلغرافات وبلاغات وضغط حقوقي. وفي يوم 6 يونيو/ حزيران الماضي الساعة الثالثة فجراً، تم الإفراج عن والدي بدون تحقيق.

سألناه عن مصير شقيقه؟ فقال: "قمنا بإرسال تلغرافات للنائب العام والمحامي العام بالغربية ووزير الداخلية ووزير العدل، وتحرير ثلاثة بلاغات أمام النائب العام تفيد باختطاف أخي وإخفائه قسرياً بدون إذن نيابة وبدون توجيه أي تهمة له، ما يعد مخالفاً للدستور والقوانين، ولكن لم يتم الرد علينا إلى الآن، ولم يظهر أخي ولم توجه إليه أي تهمة". ويضيف نور، لـ"جيل العربي الجديد": أخي مختفٍ قسرياً منذ ما يقارب 45 يوماً، في دولة "المفروض أنها تطبّق الدستور والقانون!".

5 محافظات فقط لم يتعرّض أبناؤها للاختفاء القسري

فى توثيقها لحالات الإخفاء القسري، رصدت حملة "الحرية للجدعان" المهتمة بقضايا المعتقلين، 163 حالة إخفاء قسري أو احتجاز من دون تحقيق، منذ شهر أبريل/ نيسان 2015، في 22 محافظة مختلفة، بينهم 66 حالة "إخفاء قسري مستمرة" تم التأكد منها، و31 حالة "إخفاء قسري ـ بدون متابعة" لم يتم التمكّن من متابعتها، و64 حالة "إخفاء قسري منتهية"، حيث تم التأكد من ظهورها لاحقاً بعد مرور أكثر من 24 ساعة احتجاز دون وجه حق، بالإضافة إلى حالتي وفاة: (إسلام عطيتو وصبري الغول).

وجاءت محافظة القاهرة في المرتبة الأولى من حيث عدد حالات الإخفاء القسري بعدد 60 حالة، تلتها محافظة كفر الشيخ بـ31 حالة، ثم الجيزة 16 حالة، والدقهلية 13 حالة، في حين خلت 5 محافظات فقط من حالات الإخفاء القسري، وهي: السويس ومرسى مطروح والبحر الأحمر والوادي الجديد.

لا شك أن كل حالة من حالات الاختفاء القسري تعد انتهاكاً لحقوق الإنسان، فيتعرض أمن الشخص وكرامته للانتهاك ويفتقد المختفي الحق في عدم التعرض للتعذيب أو توفير ظروف إنسانية في احتجازه أو الحق في الدفاع عن النفس بشكل قانوني أو الحق في المحاكمة العادلة.

(مصر)
المساهمون