ما يواجه دكتاتورية الروائي، هو أن شخصياته التي خلقها، قد تفلت من قبضته، وتختط مساراً على الضدّ من رغباته، وهو ما اشتكى منه روائيون، واعتبروا تصرفها تمرّداً على إرادتهم، وهو أمر لا يعتدّ به كثيراً، إذ سرعان ما يستعيدونها إلى مسارها، بمنعطف يعيدها إلى صوابها. لكن ما يحدث أحياناً هو أن الشخصية تتحرّر من الروائي، لا يقودها بقدر ما ينساق إليها، بعدما اختطّت لنفسها مساراً خرج عن طوعه. ليس في هذا مزاح، لا سيما أن ما ندعوه بالخلق، إنما هو اختلاق. وفي مرحلة ما قد تتمتع الشخصية المختلقة بالاستقلالية، وبوسعنا القول إنها خلقت نفسها بنفسها، وتجسّدت على الورق، بما يضاهي تجسّدها في الحياة.
لاقى تدخّل الروائي في مصائر أبطاله الذين أصبحوا علامات كبرى في عالم الرواية، انتقادات جمّة، كان أشهرها اعتراض دي. إتش. لورانس على أدباء "يحشرون أنفسهم في ما لا يعنيهم"، وكان رأيه أن العمل الروائي يمثل توازناً في القوى، وفي الوقت نفسه يتمتع على نحو ملغز بالاستقلالية، وعلى المؤلف ألا يخلّ بهذا التوازن بفرض أهدافه عليه. وكمثال اعتقد لورنس أن تولستوي أقدم على فعل لا يُغفر له، بقتله مخلوقته الرائعة آنا كارنينا.
يصف لورنس إصابته بالهلع عندما تخلّص تولستوي من بطلته آنا على نحو جبان، بدفعها إلى الانتحار تحت عجلات قطار. إن الأدباء الذين يسمحون لأبطالهم بالغرق يشوهون معنى الحياة، وحسب قوله، تصبح المأساة أشبه بالحجّة أو الذريعة.
يعقب الناقد تيري إيغلتون بأن لورنس قد يكون مخطئاً في رأيه عن تولستوي والمأساة، لكنه محقّ في رؤية الأدباء غالباً ما يتلاعبون بالسرد ليناسب أغراضهم القصصية، ويورد أمثلة، فمثلاً كانت دورثي بروك، بطلة جورج إيليوت، أسيرة زواج يفتقر إلى الحب بصحافي عجوز فاقد الحيوية، تتدخل في الرواية وتتخلّص منه على وجه السرعة بنوبة قلبية قاتلة. كذلك جين إير التواقة إلى الزواج بروشستر المتزوج أصلاً، فتقضي شارلوت برونتي على زوجته المخبولة بالسقوط لتلتهمها النيران. وفي حال تردّد الروائي في ارتكاب جريمة، فقد يوعز بالقتل من خلال تدخّله في السرد تحت غطاء العناية الإلهية.
ربما على الروائي ألا يبالغ في قواه الروائية، والتواضع أمام شخصياته، لا سيما وأنها أحياناً أكبر منه، ثم من قال إنه بتحكمه فيها لا يصيبها بالعطب، بل وبالعجز، كأنه يحرّك دمية، وهذا ما يفسر تحوّل بطل أو بطلة إلى دمية لا تنفع حتى في استعراض رديء.