جدل أميركي روسي حول سورية... والمعارضة تسعى لدور أوروبي

17 يونيو 2016
لقاء ثلاثي جمع لافروف ودي ميستورا وبان بروسيا(سيفا كركان/الأناضول)
+ الخط -
على وقع تصاعد نبرة الجدل الأميركي الروسي حول الملف السوري، مع رد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف على نظيره الأميركي جون كيري، جاء اقتراح الائتلاف السوري المعارض لكسر احتكار واشنطن وموسكو للتحركات حول جهود حل النزاع السوري عبر دور أوروبي أكبر.
هذه التطورات ترافقت مع استمرار غياب موعد واضح لاستئناف محادثات جنيف، وهو الموقف الذي برز بعد لقاء جمع المبعوث الأممي إلى سورية ستيفان دي ميستورا ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون. وقال نائب وزير الخارجية الروسي غينادي غاتيلوف، تعليقاً على اللقاء الذي عُقد على هامش أعمال منتدى بطرسبورغ الاقتصادي الدولي: "لم يتم تحديد موعد استئناف المحادثات بعد. ولم يشر أحد إلى أي موعد".
مقابل ذلك كان لافروف يرد على تصريحات كيري، الذي قال إن "للصبر حدوداً" حول الوضع السوري. وقال لافروف خلال مشاركته في جلسة على هامش منتدى بطرسبورغ الدولي أمس: "سمعت تصريحات جون كيري ودهشت. يتحلى كيري عادة بضبط النفس، ولا أعرف ماذا حصل معه. ومن ثم قرأت توضيحاً أصدرته وزارة الخارجية الأميركية حول تصريحات كيري. وعليهم أن يتحلوا بصبر أكبر". وذكّر لافروف بكلام الرئيس الأميركي باراك أوباما حول "الصبر الاستراتيجي".
إزاء هذه التطورات، كان رئيس الائتلاف السوري المعارض أنس العبدة، يدعو بعد الاجتماع التشاوري الرابع الذي عقده، أمس الخميس، في بروكسل مع رئيس هيئة التنسيق السورية حسن عبد العظيم، إلى تشكيل آلية تضم الولايات المتحدة وروسيا والصين وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، لحل الصراع السوري، مشيراً إلى أن تلك الآلية حققت نتائج في أزمة برنامج إيران النووي، وهي تحول دون احتكار الولايات المتحدة وروسيا للحل في سورية، حسب تعبيره.
وقال إنهم ينتظرون رداً أوروبياً على المقترح المذكور، لافتاً إلى أن وزراء خارجية الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، "باتوا على قناعة بضرورة القيام بدور فعال في الصراع السوري، خصوصاً أن كل دول أوروبا تأثرت من هذه الأزمة، وكما هو معروف فإن استقرار منطقة الشرق الأوسط مرتبط باستقرار سورية". وكان العبدة أدلى بتصريحات مماثلة في نهاية الشهر الماضي لصحيفة "وول ستريت جورنال"، اعتبر فيها أن عدم وجود طرف ثالث إلى جانب الروسي والأميركي لن يدفع مفاوضات السلام للتقدّم إلى الأمام، مشيراً إلى أن لدى الألمان رغبة في دفع عملية السلام. وتساءل العبدة عن أسباب عدم تشكيل مجموعة 5+1 السورية، على غرار المفاوضات بين الغرب وإيران حيال الملف النووي الإيراني.


وتعليقاً على موقف العبدة، أوضحت نائبة رئيس الائتلاف سميرة المسالمة، أن الائتلاف يسعى بالتنسيق مع هيئة التنسيق الوطنية المعارضة، إلى توسيع مشاركة الاتحاد الأوروبي في الجهود السياسية الخاصة بحل الصراع في سورية. وأضافت المسالمة، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أنها تفهم تصريحات العبدة كمحاولة لإعطاء دور أكبر للاتحاد الأوروبي. وأضافت أن مقترح العبدة لتشكيل مجموعة دولية على غرار مجموعة 5+1 الخاصة بإيران، ما زال في إطار الطرح "ونحتاج إلى جهود لإقناع الآخرين بالتحرك نحو هذا التوسيع للرعاية الدولية"، مشيرة إلى أن صيغة جنيف لا زالت على الطاولة، وإن كانت غير منتجة أو كافية حتى الآن.
وأعربت المسالمة عن أملها بأن يشكّل دخول الاتحاد الأوروبي "إضافة مهمة في معادلة الصراع السوري لمصلحة حق السوريين بالتغيير الديمقراطي وتحقيق الاستقرار في سورية، خصوصاً أن الولايات المتحدة الأميركية غير حاسمة في موقفها حتى الآن، مما يطيل أمد معاناة وعذابات السوريين". وأضافت: "في مقابل وقوف روسيا تماماً إلى جانب النظام، فإن دخول الاتحاد الأوروبي قد يشكّل عاملاً مساعداً لنا في هذه الظروف إذا ما أخذنا بعين الاعتبار المصالح الروسية لدى الاتحاد الأوروبي".
وعما إذا كانت هناك فرصة لأي تحرك سياسي جاد خاص بسورية قبيل دخول الولايات المتحدة مرحلة الانتخابات الرئاسية اعتباراً من سبتمبر/ أيلول المقبل، قالت المسالمة إن "العهد الأول لأوباما لم ينتج شيئاً جديداً إلا التصريحات المشجعة على الثورة وضرورة خروج بشار الأسد من الحكم، وهي التي بقيت مجرد تصريحات إعلامية. وفي العهد الثاني لأوباما جرى التنصل من كثير من المواقف الأميركية إلى درجة تلزيم سورية لروسيا".
ورأت أن موقف واشنطن يعكس سياسة أميركية لا علاقة لها بمن يتولى سدة الرئاسة، وعلى ذلك فالتعويل على ما هو مقبل يدخل أيضاً في إطار المراهنة على المجهول ليس أكثر. وأعربت عن اعتقادها بأن الحل في سورية مرتبط بمآلات الصراع في المنطقة ككل، في ضوء الدور الحاسم للعامل الخارجي في المسألة السورية، إذ ما زال هو العامل المقرر لتحريك الأوضاع السياسية والميدانية بسبب عمق التدخّلات الخارجية في الشأن السوري.
وفي سياق التطورات السورية، أكد الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي، أن الأسد "لا يمكن أن يكون مستقبل سورية"، لأنه "يتحمّل وزر سقوط 250 ألف قتيل". وشدد على الحاجة إلى "مؤتمر كبير" من أجل "إعادة إعمار سورية" مع "أسلوب جديد في الحكم يُحتَرَم فيه التنوّع". وأضاف في مقابلة نشرتها صحف أوروبية أمس: "لكن يجب عدم تكرار خطأ العراق. صدام حسين كان ديكتاتوراً دموياً ولم يكن من الممكن أن يكون مستقبل هذا البلد، لكن كان يجب التواصل مع أعضاء حزب البعث، والأمر نفسه ينطبق على سورية". ورأى ساركوزي أن "الأمر يحتاج إلى قوات على الأرض (السورية) لإكمال عمل القوة الجوية"، لكن "الأمر لا يتعلق إطلاقاً بإرسال قوات أوروبية. علينا ألا نكرر من جديد قصة الشرق ضد الغرب". وقال ساركوزي "إنهم البشمركة، إنهم الأكراد الذين نجحوا لأنهم يحظون بدعم التحالف الدولي من الجو. لكن هذا ليس كافياً. يجب أن تكون هناك قوات عربية على الأرض. السعودية والإماراتيون قالوا إنهم مستعدون لذلك ويجب تشجيعهم".
من جهته، كان المرشح الجمهوري للرئاسة الأميركية دونالد ترامب يقترح إنشاء مناطق آمنة في سورية لحماية المدنيين بتمويل خليجي. وقال ترامب أمام تجمّع انتخابي لأنصاره، إن دوافع إنشاء المناطق الآمنة هي دوافع إنسانية بحتة، ويجب إعطاء المناطق الآمنة الأولوية في التركيز على إقامتها، بالتوازي مع محاولة إيجاد حلول وعقد صفقات لإنهاء المشاكل الأخرى. ودعا إلى حمل دول مجلس التعاون الخليجي لدفع تكاليف إقامة المناطق الآمنة في سورية، لأن لدى هذه الدول، على حد تعبيره، "كميات هائلة من الأموال". ولمّح ترامب إلى أن إقامة مناطق آمنة في سورية سيعود بالفائدة على الولايات المتحدة كوسيلة إنسانية لمنع تدفق اللاجئين إلى الأراضي الأميركية.