جبهة الثقافة وسؤال الأدوات والأُطر

25 يوليو 2019
(ناجي العلي)
+ الخط -

في صراعنا الممتد مع الاستعمار والاحتلال ثمة جبهة أساس، بل الجبهة الأساس التي يعني انهيارها موتنا الأخير، تلك هي جبهة "الثقافة" التي منحت المعنى لهويتنا الوطنية والقومية وحكايتنا الجامعة وإمكانيات صمودنا على مرّ القرون.

لئن هُزمنا في جبهات أخرى فذلك أمر سوف يتغيّر، لكن هزيمتنا الثقافية ليست كذلك! وحتى في قمة ضعفنا وذروة إحباطاتنا تبقى جبهتنا الثقافية صمام أمان وجودنا وجدار بقائنا الأخير، وعلى أساسها المتين يعاد استنهاض قوانا واستئناف حياتنا التي نستحق.

على هذا الأساس يتمّ النظر للمسؤولية الملقاة على الثقافة الوطنية والمثقفين الوطنيين، وفي ضوء تمثّل المثقفين لهذه المسؤولية ثمة الكثير مما تستطيع الثقافة الوطنية تقديمه لقضية فلسطين وقضايا الإنسان العربي، وعلى رأس ذلك الانحياز الكامل إلى قضايا حركة التحرر الوطني العربية في مواجهة الاستعمار والاحتلال والتبعية والتجزئة في خطابنا السياسي "القومي/ الوطني"، وفي مواجهة التخلف والاستبداد والتفاوت الطبقي في خطابنا الاجتماعي.

ومن الضروري أيضاً تعزيز الفهم الحضاري للعروبة بوصفها صيرورة تاريخية حضارية مستمرة وهوية كفاحية قومية طبقية، وليست تمايزاً عرقياً ولا اختلافاً لسانياً، وبكونها انحيازاً مطلقاً لجماهير الفقراء والمسحوقين والمضطهدين، فهي ثورة سياسية اجتماعية جذرية في مواجهة الاستعمار الغربي وأدواته التابعة من أنظمة التخلف والتجزئة والاستبداد، بقدر ما هي ليست برنامجاً سياسياً "قومجياً" لتلك الأدوات، أحزاباً وطبقات، وهي سؤال الحرية والوحدة، سؤال الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، سؤال فلسطين والجولان وإسكندرونة والأهواز وسبتة ومليلية وجنوب السودان.

نحتاج أيضاً إلى تعميق الارتباط الشعبي العربي بفلسطين والعمل على مقاومة التطبيع بكل الوسائل والطرق، والتحسيس الدائم بخطر المشروع الصهيوني على واقع ومستقبل الشعوب العربية في كل المجالات. ولا بدّ من تعزيز ثقافة "الخلاص الجماعي" لشعوب الأمة العربية في مواجهة ثقافات "الخلاص الفردي" الليبرالية، والتأكيد على وحدة قضايا الأمة العربية المركزية في التحرّر والوحدة والديمقراطية والعدالة الاجتماعية.

الفعاليات الثقافية ينبغي عليها أن تلعب دور جسور التعاون والتنسيق بين قوى الأمة الحية من أحزاب ونقابات واتحادات، تمهيداً لبناء أوسع تحالفات شعبية عربية في مواجهة التحديات السياسية والاجتماعية. ومن وراء ذلك التشبيك والتعاون مع الفعاليات الثقافية الدولية الصديقة والحليفة، والاستفادة من دروس وتجارب الشعوب حول العالم.

وغير ذلك الكثير، لكن ربما يكون سؤال الأدوات والأطر هو الأكثر أهمية، حيث إن أزمة المثقفين العرب تبرز أكثر على هذا الصعيد، وهنا بالإمكان الإشارة إلى ضرورة تعزيز الخطاب والسلوك الجماهيري العضوي في مقابل النزعات النخبوية الفردانية لدى المثقفين، والشجاعة والوضوح في تبنّي المواقف السياسية والاجتماعية المنحازة لفلسطين وجماهير الأمة وطبقاتها المسحوقة، ونقل قضايانا إلى مستويات تقدمية عالية في الإبداع الثقافي والأدبي والفني.

وبالطبع، التحرّر من تكلّس الأجسام الثقافية التقليدية وبؤسها الحالي، من روابط واتحادات كتاب وصحافيين وفنانين، والتأسيس لروافع ثقافية تقدمية شعبية عربية في أوساط الناس وبينهم ومعهم، خاصة في الأحياء الشعبية والمناطق المهمشة وبين العمال والفلاحين والطلاب.


* باحث فلسطيني

المساهمون