جامعة "بيرزيت".. مسار انتخابي تائه

05 مايو 2016
(أثناء فرز الأصوات، الصورة: صفحة الجامعة على فيسبوك)
+ الخط -

بإعلان "الكتلة الإسلامية - الذراع الطلابية لحركة حماس" فائزةً في انتخابات مجلس الطلبة في جامعة بيرزيت، شمال مدينة رام الله بالضفة الغربية المحتلة، تكون الجامعات الفلسطينية قد أقفلت صناديقها لهذا العام، بانتظارٍ روتيني لما سيحدث في العام المقبل. انتظار لا يحمل في أحشائه ما يعوّل عليه لإحداث أي تغيير؛ إذ إن الساحة الجامعية تبدو هذه الأيام مسكونة بروح ما يجري خارجها.

ولعل المفارقة السردية التي ترغب حركة حماس دائماً في تقديمها كنوع من المفاخرة، تتجلّى في أنها استطاعت أن تكسب جولة الانتخابات في "بيرزيت"، بالرغم من الملاحقة والمنع التي تطاول عناصرها في الضفة الغربية؛ ملاحقةٌ ومنعٌ طاولا أيضاً عناصر من فتح في غزة، لكن الانتخابات في الجامعات لا تجري بأمر من النظام الحاكم هناك، مع العلم، أن خارطة الاصطفاف الطلابي في كبرى جامعات غزة تأخذ شكلاً مغايراً عن مثيلاتها في الضفة، نظراً إلى حسم أمرها مسبقاً؛ الجامعة الإسلامية محسوبة على "حماس"، وجامعة الأزهر "لفتح" وهكذا، حتى بدون إجراء أي انتخابات.

في الوقت نفسه، لا تبدو الجامعة كفضاء عام محمول على روح حرية التعبير في إطار المساهمة بالتنوير وطرح قضايا التحوّل الديمقراطي، محمية من تدخلات أجهزة الأمن، فقد أشارت الكثير من التقارير الصادرة عن منظمات حقوق الإنسان، عن جملة ملاحقات واعتقالات وتهديد بالفصل والتضييق تمارسها هذه الأجهزة بحق النشطاء من الطلبة في شقي الوطن، في حين تنأى الجامعة، كرافعة ومظلة لهذه المفاهيم، بنفسها عن اتخاذ إجراءات كافية، من شأنها أن تمنع ذلك كله أو تحد منه.

وفي ضوء ذلك كله، لا تبدو حالة الانتخابات، بوصفها أبرز مؤشرات الحالة الصحية الحيوية للديمقراطية في البلاد، في أحسن أحوالها؛ إذ شابها ما شابها من خطابات الإقصاء والتخوين المتبادلة التي طغت على مضامين الحملات الدعائية، في حين ينتظر الطالب، بدوره، صاحب الكلمة الفصل في العملية كلها، عملية انتخابية تفضي إلى نجاح من يحقق له مطالبه. آلت معظم خطابات الدعاية إلى ما يشبه المناكفة السياسية، في استدعاء كان أغلبه واعياً تماماً لمخاضات الساحة السياسية خارج أسوار الجامعة والبلاغات الخطابية التي يبرع مطلقوها في هذه الأوقات؛ الأمر الذي يجعل من القيمة النقابية والمطلبية المنوطة باتحاد مجالس الطلبة أمراً شكلياً ورهينةً للمتغيرات السياسية المتعثرة أصلاً في البلاد.

وحتى لا نقع في فخ الإغفال غير المقصود لتاريخ الحركة الطلابية الفلسطينية، يبدو من الاستحالة بمكان إغفال دورها الأثير في قيادة الشارع وضبط إيقاع خطاب الانتفاضات المتعاقبة ضد الاحتلال، إلى جانب دورها النقابي في حماية حقوق الطلبة. وبالنظر إلى تبدّل هذه الأدوار، وخسارة الحركة الطلابية وظيفتها الطليعية تلك، بالاعتماد على الكثير من المؤشرات والمعطيات البارزة الآن، تظهر الحركة الطلابية في السنوات الأخيرة مستسلمة تماماً للحالة الهامشية التي فرضتها المتغيرات السياسية الراهنة، حتى بدت معتقلة داخل أسوار الجامعة من حيث التأثير من جهة، ورهينة للمتغيرات الحزبية والسياسية خارجها.

وبالتجاوز عن الأجزاء المرتبطة بالخطابات السياسية والحزبية وطغيان الاجترار المتكرر للتاريخ التي غلبت على برامج بعض الكتل المتنافسة، أخذت الأجزاء المتصلة بحقوق الطلبة والعمل النقابي والرؤية الاجتماعية في هذه البرامج شكلاً مكرّراً لبرامج لم تطبق في حملات سابقة في بعض مواضعها، في حين ذهب جزء آخر منها إلى ما يشبه الدعاية لأفكار تتسم بالإثارة والثورية، ولا تحمل في مضمونها برامج تطبيقية أو خططاً للتنفيذ في معظم الأحيان.

من جانبها، لا تبدو الفصائل في حالٍ أفضل من حال الحركة الطلابية برمتها؛ إذ لا تتجاوز قيمة الانتخابات هذه الأيام كونها استفتاءً على شعبية الفصائل، مع إبقاء قوس الدلالات مفتوحاً لإضافة ملاحظة لا تبدو عابرة هنا، وهو التراجع المهول في شعبية قوى اليسار (لم تحصل فصائل مثل الجبهة الديمقراطية وحزب الشعب والمبادرة على نسب حسم لافتة)، بمقابل احتكار معظم الأصوات لصالح الفصيلين الكبيرين؛ إذ إن الأمر يتجاوز الاستفتاء البريء العابر على سياسة كل طرف منهما، إلى مساحة تبدو كامل مؤشراتها تشير إلى ملامح آخذة في الامّحاء عن وجه الظاهرة الفصائلية.

ولإعادة النظر مرة أخرى، وحتى لا يقع المشاهد في فخ الصورة التي يشي ما وراءها بالكثير من الدلالات الكثيفة، فإن التعامل مع الانتخابات ونتائجها هذه المرة، أصبح كافياً للحكم على فعالية الظاهرة الفصائلية المتراجعة والتي أحكمت يوماً ما قبضتها على القضية الوطنية وثورتها منذ انطلاقتها المعاصرة.

بالمجمل، تبدو التحولات العميقة الطارئة على الساحة في الأشهر القليلة الماضية، مصحوبة بالدلالات التي تشير إلى تراجع أدوار الحركة الوطنية الفصائلية، كانت أهم أوجهها شكل الحراكات المطلبية التي قادها المعلمون أولاً، ثم تحرك مكونات المجتمع ضد قانون الضمان الاجتماعي في نسخته الحالية؛ حراكات نقابية ذات بعد مطلبي صرف، غابت الفصائل حيناً وتراجعت في أحيان أخرى لصالح قوى جديدة بدأت بالظهور على شكل مؤسسات ونقابات، الأمر الذي عكس بنفسه فعلاً على حالة الحركة الطلابية في الجامعات كامتداد لها، في سلسلة الاقتراعات الأخيرة على وجه الخصوص.

المساهمون