استمع إلى الملخص
- **البدائل والتحديات**: يلجأ البعض إلى الدروس عبر الإنترنت كبديل أقل تكلفة، بينما تحاول وزارة التربية والتعليم مكافحة الظاهرة باتخاذ إجراءات قانونية ضد المعلمين المتغيبين.
- **آراء الخبراء والحلول المقترحة**: يطالب الخبراء الحكومة بتحسين التعليم المجاني وظروف المعلمين، وإجراء إصلاحات جذرية في المنظومة التعليمية بدلاً من تجريم الدروس الخصوصية.
يبدأ العام الدراسي الجديد في مصر 21 سبتمبر/أيلول المقبل، بحسب ما أعلنت وزارة التربية والتعليم المصرية، بينما يعيش غالبية أولياء أمور التلاميذ ضغوطاً مزدوجة بسبب اضطرارهم إلى توفير تكاليف العودة إلى المدارس من مصروفات ومستلزمات مدرسية إضافة إلى ضغوط المعلمين لبدء الدروس الخصوصية بعد أن أصبحت من الأمور المفروضة سنوياً على الأسر المصرية.
وتحولت الدروس الخصوصية إلى "كابوس" للتلاميذ وذويهم بعد أن شهدت السنوات الأخيرة تواصل موسم الدراسة بلا انقطاع، خصوصاً لتلاميذ الثانوية العامة، وحرص تلاميذ مختلف المراحل التعليمية على حجز مكان لدى مدرس خاص، أو في المراكز التعليمية الخاصة المنتشرة في جميع المحافظات، وتمتلئ صفحات موقع "فيسبوك" بإعلانات لحث الأهالي على البدء المبكر في حجز الدروس الخصوصية.
ويلجأ بعض التلاميذ وأولياء الأمور إلى الدروس عبر الإنترنت "أون لاين"، بديلاً أيسر وأوفر، للحد من الارتفاع الكبير في كلفة الدروس الخصوصية التي أصبحت من بين المشكلات المزمنة في مصر. فيما كررت وزارة التربية والتعليم الحديث عن مكافحة تلك الظاهرة، وبذل كل الجهود الممكنة لمحاربتها تمهيداً للقضاء عليها، ومنها اتخاذ إجراءات قانونية بحق المخالفين، ولا سيما المتغيبين عن المدارس من المعلمين.
أصبحت الدروس الخصوصية واقعاً مفروضاً على الأسر المصرية
وشددت الوزارة على ضرورة اتخاذ كل التدابير والإجراءات اللازمة تجاه من يمارس المهنة، من دون وجه حق، ولا سيما مِمَّنْ هم في إجازات بدون مرتب، أو إجازات طويلة، ويمارسون التدريس في مراكز خاصة، أو في مقراتهم الخاصة، واتخاذ الإجراءات القانونية حيالهم.
ومن أمام أحد مراكز الدروس الخصوصية وسط الإسكندرية، تقف سارة مبروك، الأم لتلميذين في الثانوية العامة، في انتظار مرور معلم مادة الفيزياء، لمحاولة إقناعه بقبول ابنيها بداية من الشهر المقبل. تقول لـ"العربي الجديد": "لست مستعدة مادياً، وتزيد المصروفات يوماً بعد يوم، ولا ينبغي أن ينظر المعلمون إلى طموحاتهم المالية فقط من دون النظر إلى الغلاء والأوضاع المادية الصعبة التي نمر بها نحن أولياء الأمور. نعيش همّاً بسبب الدروس الخصوصية، فقد أصبحت مضطرة إلى دفع تكاليف 3 معلمين مختلفين إضافة إلى باقي المصروفات، وهذا أمر لا يطاق. أصبحت أنتظر فترة الإجازة الصيفية لالتقاط الأنفاس قبل الدخول في دوامة المصروفات من جديد".
ويقول يحيى فتحي، التلميذ في الثانوية العامة في إحدى مدارس محافظة الجيزة، لـ"العربي الجديد": "لماذا لا تبدأ الدروس مع بدء العام الدراسي؟ أنا في حاجة إلى قضاء وقت مع أصدقائي في الصيف، لكن المدرسة تريدني أن أبدأ الدروس فوراً. حتى لو أردت الدراسة مبكراً، فليست لديّ القدرة على التركيز، فعقلي لا يزال مشغولاً بأحلام الصيف".
ويقول حسن الشربيني، وهو والد 3 تلاميذ في مراحل تعليمية مختلفة، لـ"العربي الجديد": "يستغل المعلمون احتياج التلاميذ إليهم، بسبب غياب دور المدرسة الحقيقي، فيفرضون علينا شروطهم في ما يخص الأسعار ومواعيد الدروس وغيرها، لكن الوضع يجب ألا يصل إلى إجبارنا على بدء الدروس قبل الدراسة بشهرين، فذلك يضغط على الأهالي مادياً، ويضغط على التلاميذ نفسياً. جشع المدرسين زاد أسعار الحصص هذا العام بأرقام مبالغ فيها، حتى أصبح الأمر أشبه بالتجارة التي تتصاعد أرباحها بين عام وآخر، وتختلف بحسب المنطقة السكنية، وكثافة التلاميذ".
في المقابل يدافع معلم الكيمياء بالإسكندرية، أحمد مجدي، عن موقف المعلمين قائلاً: "قرار الالتحاق بدرس خصوصي مع معلم بعينه متروك للعرض والطلب، وبعض المعلمين يفضلون البدء مبكراً لتمكين التلميذ من استيعاب المنهج الذي يحتاج إلى وقت كاف لشرح كامل المقرر، والتأكد من استيعاب التلاميذ قبل الامتحانات، وهو ما يضطرهم إلى بدء الدروس قبل موعد الدراسة الفعلية. أولياء الأمور يحاسبوننا على نتيجة أبنائهم في النهاية، لذا يجب علينا البدء المبكر، بخاصة أنّ المنهج كبير، ويحتاج إلى وقت، ومن ثم إنّ الأمر لا يتعلق بالسعي لجمع المال".
أما طارق الدوسري، وهو معلم رياضيات، فيقول إنه اتجه إلى تقديم دروسه عبر الإنترنت في أيام الإجازة الصيفية، وذلك لسببين، الأول هو عدم إجبار الأهالي على العودة من المصايف أو وقف أنشطتهم الترفيهية، والثاني هو جمع أكبر عدد ممكن من التلاميذ في توقيت واحد بأسعار أرخص من تلك التي يدفعونها في الدروس التقليدية.
من جانبه، يقول الخبير التربوي محمد عبد اللطيف، لـ"العربي الجديد"، إن مصر تشهد منذ سنوات تزايداً في انتشار ظاهرة الدروس الخصوصية بأشكال عدة، سواء الدروس الاستباقية أو التكميلية، وعلى الرغم من اعتراف الحكومة بأن هذه الظاهرة تعرقل التعليم المجاني، إلا أنها لم تتخذ أية إجراءات حازمة لمحاربتها. ويرى أن "بدء الدروس الخصوصية قبل الدراسة بوقت طويل عبء ثقيل على كاهل الأسر المصرية التي تشكو من صعوبات مالية واستغلال واضح من المدرسين".
ويطالب الخبير التربوي بضرورة تحمل الحكومة مسؤوليتها تجاه المواطنين، وأن تضع خطة للحد من هذه الظاهرة عبر رفع المستوى التعليمي للمدارس، والاهتمام بالظروف المعيشية للمعلمين، ثم ردعهم عن ممارسة الدروس الخصوصية، لإعفاء الأهالي من العبء المالي الإضافي.
بدورها، ترى أستاذة علم الاجتماع بجامعة الإسكندرية، نهلة إبراهيم، أن "الدروس الخصوصية تحولت خلال السنوات الأخيرة إلى واقع مفروض على المصريين، وله ميزانية خاصة، بل إن بعض الأسر تلجأ في كثير من الأحيان إلى الاقتراض لسداد أجور المدرسين الخصوصيين".
وتوضح لـ"العربي الجديد" أن "للدروس الخصوصية سلبيات كثيرة، وليست سلبيات مادية فقط، فهي تقضي على دور المدرسة في الاهتمام بالتربية وتنمية المهارات، وتزيد الضغوط النفسية على التلاميذ، وقد تصل إلى عدم الرغبة في استكمال المذاكرة نتيجة الشعور بطول فترة الدراسة، وأنصح الأسر التي ترغب في بدء الدروس قبل العام الدراسي بضرورة توفير وسائل ترفيه لأبنائهم".
وتؤكد إبراهيم أن نظام التعليم المتبع، ومشكلات كثافة التلاميذ، إلى جانب نمطية الامتحانات، وتنافس أولياء الأمور لإلحاق أبنائهم بالكليات، كلها أمور ساعدت على تعاظم تلك الظاهرة، وتزايد اعتماد الأسر عليها عاماً بعد عام، وينبغي حل المشكلة من جذورها بإجراء إصلاحات في المنظومة التعليمية، وعدم الاكتفاء بقرارات تجريم الدروس الخصوصية وقوانينها التي لا تنفذ.