29 سبتمبر 2017
ثلاث شخصيات في مخيمنا
ثلاث شخصيات مكّنها القدر من لعب أدوار مصيرية في حياتنا، إناثاً وذكوراً، في مخيم عين الحلوة في السنوات التي تلت النكبة، وإلى نهاية الستينات، حين بدأ المخيم يشهد تطوراً جديداً بوجود حركة المقاومة الفلسطينية فيه، وما صاحب ذلك من وجود عنايةٍ أكثر بالشؤون الصحية للاجئين .الداية أو القابلة القانونية أم علي، ابنة قرية عمقا قضاء عكا التي ورثت المهنة عن أمها في فلسطين، والتي كانت وراء ولادات معظم الأطفال في سنوات الخمسينات. كانت على أهبة الاستعداد دائماً، وكانت تعرف جميع النساء الحوامل في المخيم، بالأسماء وأماكن السكن في الحارات والأزقة، وتتوقع طلبها في أي لحظة. كانت النساء يعرفن التدابير المساعدة لتسهيل مهمة أم علي على إخراج الأجنة من الأرحام. المياه المغلية والفوط النظيفة والأوعية التي تأتي لأم علي، وهي في مهمتها التي صارت يسيرةً من كثرة الولادات التي قامت بها في البيوت الفقيرة. لم يحالفنا الحظ في تلك السنوات، كي نولد في المستشفيات، وحين تتعسر الولادة مع الداية أم علي، كانت المرأة المعسرة تُحمل على فرشتها، وتغطى بحرام، وتنقل إلى مستشفى لبيب أبو ظهر، في صيدا، المتعاقد مع "أونروا" لإنقاذ الأم أو الجنين، أو كليهما معاً. كانت أم علي، بعد كل ولادة، تتلقى أجراً غالباً ما يكون زهيداً.
إذا كان المولود ذكراً، فسوف يتكفّل به في المرحلة التالية أبو حسن المطهّر الحيفاوي، الذي لم يكن له منافس في تلك السنوات، والذي يقوم بعملية الختان للطفل في الأسابيع الأولى من عمره، إلاّ في حالات الأولاد المدللين، أو المولودين بعلةٍ ما، فيتركون إلى مرحلةٍ عمريةٍ لاحقة. كان أبو حسن، بحقيبته المميزة، يتنقل بثقة طبيبٍ في أزقة المخيم، من بيت إلى بيت، يترك وراءه أصوات بكاء الأطفال المخدوعين بالحكاية نفسها: انظر إلى العصفور.. فينظر الطفل إلى الأعلى، فيهوي مشرط أبو حسن، ويقطع تلك القطعة الزائدة من عضوه، بلا أي تخدير كما يحصل في المستشفيات. وهكذا يقوم أبو حسن بمهمة تحضير الأطفال للدخول في النسق الاجتماعي السائد، بعد أن تكون أم علي العمقاوية أحضرتهم إلى نور الحياة.
أما الحكيم أبو رشيد فربما يكون أهم شخصية في المخيم، رافقت الأطفال اللاجئين، إناثاً وذكوراً. كان أبو رشيد، نايف سلامة، من قرية مجد الكروم. ولد هناك عام 1915، ولم يدخل المدرسة قط، لكنه تعلم مهنة التمريض في حيفا. وهناك عمل ممرضاً في الميناء، يعالج المسافرين عبره، ثم اشتغل في مستشفى حيفا، وتعلم اللغة الإنكليزية، وتزوج من أم الفحم، وعندما سقطت مجد الكروم، لجأ وعائلته إلى قرية رميش في جنوب لبنان، ثم انتقل إلى مخيم عين الحلوة، واشتغل بالطب، بعد أن فتح عيادةً في بيته في المخيم، وراح يعالج المرضى، وخصوصاً الأطفال، لكثرة الأمراض المتفشية، بسبب سوء التغذية في بداية اللجوء. وملأت شهرة الحكيم المنطقة، فصار المرضى يأتونه من القرى اللبنانية المجاورة، راغبين بالعلاج بأجر زهيد، أو مجاناً في بعض الحالات. وعلى الرغم من انتشار مستوصفات العلاج التي أنشأتها الفصائل الفلسطينية بعد عام 1969، حافظ الحكيم أبو رشيد على مكانته وثقة الناس، بمهارته الطبية، إلى حد نسج حكايات على لسانه، مثل حكاية إصابته بالمرض مرةً، وذهابه إلى مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت. وعندما سأله الطبيب الأميركي المختص من أين جاء، قال له من عين الحلوة، فأجابه الطبيب الأميركي: عندكم الحكيم أبو رشيد، وتأتي للعلاج هنا.
أقام الحكيم أبو رشيد علاقاتٍ وثيقةً مع الأطباء في صيدا، وكان يحصل على الأدوية عن طريقهم، ويوزعها على مرضاه في المخيم مجاناً، ولطالما كانت الأدوية هي نفسها البنسلين والتتراسايكلين للالتهابات ودغوامايسن للإسهال.
إذا كان المولود ذكراً، فسوف يتكفّل به في المرحلة التالية أبو حسن المطهّر الحيفاوي، الذي لم يكن له منافس في تلك السنوات، والذي يقوم بعملية الختان للطفل في الأسابيع الأولى من عمره، إلاّ في حالات الأولاد المدللين، أو المولودين بعلةٍ ما، فيتركون إلى مرحلةٍ عمريةٍ لاحقة. كان أبو حسن، بحقيبته المميزة، يتنقل بثقة طبيبٍ في أزقة المخيم، من بيت إلى بيت، يترك وراءه أصوات بكاء الأطفال المخدوعين بالحكاية نفسها: انظر إلى العصفور.. فينظر الطفل إلى الأعلى، فيهوي مشرط أبو حسن، ويقطع تلك القطعة الزائدة من عضوه، بلا أي تخدير كما يحصل في المستشفيات. وهكذا يقوم أبو حسن بمهمة تحضير الأطفال للدخول في النسق الاجتماعي السائد، بعد أن تكون أم علي العمقاوية أحضرتهم إلى نور الحياة.
أما الحكيم أبو رشيد فربما يكون أهم شخصية في المخيم، رافقت الأطفال اللاجئين، إناثاً وذكوراً. كان أبو رشيد، نايف سلامة، من قرية مجد الكروم. ولد هناك عام 1915، ولم يدخل المدرسة قط، لكنه تعلم مهنة التمريض في حيفا. وهناك عمل ممرضاً في الميناء، يعالج المسافرين عبره، ثم اشتغل في مستشفى حيفا، وتعلم اللغة الإنكليزية، وتزوج من أم الفحم، وعندما سقطت مجد الكروم، لجأ وعائلته إلى قرية رميش في جنوب لبنان، ثم انتقل إلى مخيم عين الحلوة، واشتغل بالطب، بعد أن فتح عيادةً في بيته في المخيم، وراح يعالج المرضى، وخصوصاً الأطفال، لكثرة الأمراض المتفشية، بسبب سوء التغذية في بداية اللجوء. وملأت شهرة الحكيم المنطقة، فصار المرضى يأتونه من القرى اللبنانية المجاورة، راغبين بالعلاج بأجر زهيد، أو مجاناً في بعض الحالات. وعلى الرغم من انتشار مستوصفات العلاج التي أنشأتها الفصائل الفلسطينية بعد عام 1969، حافظ الحكيم أبو رشيد على مكانته وثقة الناس، بمهارته الطبية، إلى حد نسج حكايات على لسانه، مثل حكاية إصابته بالمرض مرةً، وذهابه إلى مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت. وعندما سأله الطبيب الأميركي المختص من أين جاء، قال له من عين الحلوة، فأجابه الطبيب الأميركي: عندكم الحكيم أبو رشيد، وتأتي للعلاج هنا.
أقام الحكيم أبو رشيد علاقاتٍ وثيقةً مع الأطباء في صيدا، وكان يحصل على الأدوية عن طريقهم، ويوزعها على مرضاه في المخيم مجاناً، ولطالما كانت الأدوية هي نفسها البنسلين والتتراسايكلين للالتهابات ودغوامايسن للإسهال.