ثلاثة إيقاعات لجسدٍ يتذكّر

20 يوليو 2016
صليبا الدويهي/ لبنان
+ الخط -
فادو
مصاباً بوداعٍ كحليٍّ وقور 
رافلاً بخساراته الناصعة
وبأشباحه الأليفة اللألاءة،
كندامى عائدين لتوّهم من حفلٍ تنكريِ للحزن،
وبذاكرته النهرية
المهرقة على جسورٍ من حنان مالح،
ينضو صوت المغنية عريَ بحيراته المغرقَ في النورس
ليبزغَ من بعيدِهِ نيلوفر جسدها الروحيّ
يصقل الليل الأطلسيّ بلّور وحدته ليشفّ
ويهطلَ رذاذ وجدٍ حارقٍ
في ليل الأغنيات الطويل
"أحبّني لأموت
ولتأتمر الأغاني التي يلفح صمتي لهيبها
بإيقاع حنيني إليك
ومدّ وجزر حياتي الخائفة عليك
وليكن رحيلك الحارّ والشهيّ، كدمعةٍ،
مثواي الأخير".


***

تانغو
جسدٌ دراماتيكيّ
كسكينِ من حنين
يتبع ماضيَه ليقتله، أو ليقبّلَه،
ككلمةٍ
في أوج معناها،
كليلةٍ ماجنةٍ
في وضح نهارها وغموضها
يرى النحلةَ
والهجران
يخرجان إليه من الوردة ذاتها
فينثني ليأكلَها
أو ليسبيَ بين يديه مدائح قلبها المؤلم
ويرى الفراشات العاشقات
يعلّمن أنوثتهنّ الطيران السندسيّ في دمه
وينصبن له في رفيف أجنحتهنَّ كميناً من عسل،
فيسقط متعثّراً بمراياه
التي لا هاجسَ لها
سوى مباغتة الوقت محدّقاً
في أقدام الراقصين
السادرة في العواصف والدخان
.......................
.......................

جسدٌ أعزل من راقصِهِ
يحصي على مهلٍ
البروق
المحتشدة في عروق العتمة
الهائمة على ألقها في خطواته
ويقطّر التعب المنتشي
في أباريق الفراغ الفضّية:
مترعاً بما يفيض من أطرافه من ألوهةٍ عطشى
يتذكّرُ ما تبقّى من موته المرصّع بالنجوم...


***

طرَب
يسري الإيقاع به ليلاً
بجناحين موشحين بنسيانٍ كلفٍ
وبندمٍ، نبيذيّ الكآبة، يرثي حطام بنفسجِهِ
وبقمرٍ شرقيّ شاردٍ
يرسف طليقاً في هبوب القافية

………… يبكي الإيقاع
ويكاد يُجنُّ من طربٍ
فيذرف في ليل الصبّ
سماواتٍ مذهبةً
وخيولَ حُلمٍ
يصهل المدى الفوضويّ
في خببها المزركش بحروب الفتنة

عارياً ونائياً كما ولدته الشهوات
والشهب السريّة
يتغمَّده الإله الموسيقيّ بباذخ لوعته
وبأيقونات أنينه المترف
وبهذيان نهاياتٍ من حرير

لا شيء يشفي قلبه العليل
من يأسه الجميل.

***

إيقاع أخير
ماذا يصنع الإيقاع بنفسه
عندما يقفر الحبّ من قاطنيه،
ومن أعراس حواسّهم ومن
بهاءِ غِيابهم،
ومن طقوس الغواية المهلكة؟
وأين يسَجّي شفق جسده وقد مسّهُ من غروب الأشواق
وضجرها المخمليّ وترٌ وحيد؟
وأين يسلم الرغبات اليافعات إلى بارئها؟


* شاعر فلسطيني مقيم في لندن
المساهمون