إنعام بيوض.. عاصفة "هوارية" لم تهدأ بعد

18 يوليو 2024
+ الخط -
اظهر الملخص
- **جدل واسع حول رواية "هوارية"**: أثارت رواية "هوارية" للكاتبة الجزائرية إنعام بيوض جدلاً كبيراً بسبب استخدام عبارات نابية، مما دفع البعض للمطالبة بفرض الرقابة وسحب الجائزة.

- **ردود فعل قانونية وسياسية**: استند منتقدو الرواية إلى نصوص قانونية جديدة تجرم الأفعال الخادشة للحياء، ودعوا لمحاسبة المسؤولين عن منح الجائزة، مع مطالبات برلمانية بمساءلة وزيري الاتصال والثقافة.

- **دعم المثقفين للكاتبة والناشرة**: أصدر مثقفون بياناً تضامنياً مع الكاتبة والناشرة، داعين للتراجع عن إغلاق "منشورات ميم" ومؤكدين دعمهم لحرية الإبداع والنشر.

لعلّها إحدى المرّات النادرة التي تنشغل فيها مواقع التواصل الاجتماعي في الجزائر بعملٍ أدبي على هذا النحو؛ فالعاصفة التي أُثيرت حول رواية "هوارية" للكاتبة الجزائرية إنعام بيوض، والتي فازت مؤخّراً بـ"جائزة آسيا جبّار للرواية"، بدأت قبل أيام ولم تهدأ بعد.

ولعلّ الأمر كان ليُشكّل حالةً صحّية لو أنّ الجدل بين مُنتقدي الرواية، بسبب تضمّنها عبارات نابية، ومؤلّفتها وبين المدافعِين عنها لم يصِل إلى إطلاق دعوات لفرض الرقابة على الأعمال الإبداعية، وسحب الجائزة من الفائزة وحتّى معاقبتها، بينما تستمرّ، عبر بعض الصفحات على مواقع التواصل، حملاتُ تشهيرٍ صريحة بالكاتبة التي التزمت الصمت إلى الآن، والناشرة آسيا علي موسى التي أعلنت، في خضمّ هذه العاصفة، إغلاقَ "منشورات ميم" وانسحابها من النشر.

وآسيا علي موسى قاصّةٌ جزائرية حاصلة على ليسانس في الرياضيات، أصدرت عدّة مجموعات قصصية؛ من بينها: "كانتا رتقاً" (2007) و"رسائل إلى آدم" (2013). وفي 2007، أسّست "دار ميم" التي تُعنى بنشر كتب أدبية وفكرية لكتّاب جزائريّين وعرب، ضمن توجُّه ينحاز إلى الخيارات الجمالية لا التجارية؛ ولعلّ ذلك ما يؤكّده ورود عناوينها بشكلٍ مستمرّ في قوائم الجوائز الأدبية في الجزائر وخارجها؛ ومن بين تلك العناوين: "أنا وحاييم" للحبيب السايح التي حازت "جائزة كتارا للرواية العربية" عام 2019، و"الديوان الإسبرطي" لعبد الوهاب عيساوي التي حازت "الجائزة العالمية للرواية العربية" (المعروفة باسم "بوكر العربية") عام 2020، إضافةً إلى "هوارية" التي عادت إليها "جائزة آسيا جبّار للرواية" في فرع الروايات المكتوبة باللغة العربية في دورتها السابعة للعام الجاري.


خطاب كراهية؟

تحت ذريعة "الانتصار للأخلاق"، يُشهر منتقدون للرواية نصوصاً من قانون العقوبات الجديد، الذي جرى إقراره في شباط/ فبراير الماضي، تنصّ بالحبس لمدّة تصل حتى ستّة أشهر وغرامة مالية على "كلّ من قام بفعل أو تلفّظ بقول خادش للحياء في مكان عمومي"، وأيضاً بنصوص من قانون الكتاب والنشر، تنصّ على احترام "الدين الإسلامي والهوية الوطنية والقيم الثقافية للمجتمع".

في هذا السياق، دعا نائبٌ برلماني عن "حركة البناء الوطني" (حزب إسلامي)، يُدعى يونس حريز، الوزير الأوّل نذير العرباوي إلى "محاسبة كلّ مسؤول ثبتت مسؤوليته عن هذا العمل المشين"، معتبراً أنّ الكاتبة جعلت من اسم هوارية "رمزاً لخطاب الكراهية والكلمات النابية التي خدشت مشاعر الوهرانيّين والجزائريّين الشرفاء"، بينما ذكرت وسائل إعلامية أنّ كتلاً نيابية في البرلمان تتّجه لمساءلة وزيرَي الاتصال ووزيرة الثقافة حول الرواية والجائزة.


مشكلةٌ في تعريف الأدب

يلاحِظ الكاتب الصحافي سليم بوفنداسة أنّ "منتسبين إلى الحقلين الأدبي والأكاديمي انخرطوا في الحملة بشعارات دينية وأخلاقية تُحيل إلى مشكلة في تعريف الأدب وفهمه بين بعض الذين يقدّمون أنفسهم كمُمارسين له"، مضيفاً أنّ "هذه الظاهرة ليست جديدة، بل رافقت الأدب الجزائري المكتوب بالعربية منذ التأسيس، وأتاحت لها اليوم مواقع التواصل فرصة الانتشار الواسع، بعدما كانت تنحصر في فضاءات صغيرة كالملتقيات والأمسيات الأدبية والمقالات الصحافية، حيث تتمّ محاكمة نصوص أدبية وأصحابها بأدوات الواقع وبمقاييس دينية وأخلاقية".

واعتبر بوفنداسة أنّ ذلك "يكشف عن فقرٍ في مستويات القراءة، بل عن سوء تلقٍّ للآداب والفنون عامّة، بسبب سيطرة ثقافة تقليديّة بين "القراء" الذين لا يستمتعون بالأثر الفنيّ، بل يفتّشون في ثناياه عن دليل إدانة صاحبه"، وأضاف: "رأينا كيف انتهت محاكمات من هذا النوع بتصفية كتّاب في سنوات الإرهاب.. واستمرّ نفس السلوك من خلال استهداف كتّاب وفنّانين في وسائل إعلام وعلى شبكات التواصل، وتخريب تماثيل، بنفس الدوافع الأخلاقية".

من جهة أُخرى، أصدر مثقّفون بياناً تضامنياً مع الكاتبة إنعام بيوض والناشرة آسيا علي موسى وأعضاء لجنة تحكيم "جائزة آسيا جبّار"، على خلفية "الحملة الشرسة ضدّ الروائية والمترجمة إنعام بيوض، وروايتها 'هوارية' المتوّجة بجائزة آسيا جبار في طبعتها السابعة، وإثر قرار 'منشورات ميم' بتوقيف نشاطها تحت الضغوطات التي يمارسها أعداء الفنّ والثقافة"، ندّدوا فيه بما سمّوه "الهجوم الوضيع والتهديدات المواربة والصريحة ضدّهم".

كما ندّد الموقّعون بـ"المساس بحرية الإبداع والنشر والترويج للأعمال الإبداعية أيّاً كان مصدرها"، ودعوا مديرة "منشورات ميم" إلى التراجُع عن قرارها بغلق الدار، إثر الضغوطات التي مورسَت ضدّها، ونؤكّد لها مرّةً أُخرى دعمنا وتضامُننا".

ومن بين الأسماء التي حمل البيان توقيعاتها: الكاتب والناشر لزهاري لبتر، والكتّاب واسيني الأعرج واحميدة عيّاشي وأمين الزاوي ومايسة باي وأرزقي مترف ومريم قمّاش وصفية بلحوسين زميرلي، والأكاديمي والباحث في علم الاجتماع ناصر جابي، والمخرجان صوفيا جامة وأحمد بن كاملة، والأكاديميون عبد القادر بوزيدة وشهرة بوزيدة، والصحافي يوسف آيت طاهر.

المساهمون