استكمل وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون، سياق الانتقادات التي وجهها الرئيس دونالد ترامب، للاتفاق النووي مع إيران، مؤكداً وجود تحفظات لواشنطن بهذا الخصوص، مشيراً إلى عدم كف طهران عن تهديداتها في المنطقة، بينما فضّل الاتحاد الأوروبي عدم الربط بين الجانبين، معتبراً أنّ الاتفاق "لم يُخرق".
موقف تيلرسون جاء، خلال مؤتمر صحافي، الأربعاء، بعد انتهاء اجتماع على مستوى وزراء خارجية الدول الخمس دائمة العضوية وألمانيا والاتحاد الأوروبي وإيران، في نيويورك، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الـ72.
الاجتماع الذي جمع لأول مرة وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف، مع نظيره الأميركي، وصفه تيلرسون بـ"المثمر"، رغم إشارته إلى تحفظات بلاده على الاتفاق النووي مع طهران.
وقال تيلرسون، في المؤتمر الصحافي إنّ "الرئيس ترامب كان واضحاً فيما يخص اعتراضه على عدة نقاط بالاتفاق.. إذا نظرنا إلى توقعات الأطراف التي فاوضت على الاتفاق فمن الواضح أن هذه الأطراف كانت تتوقع أن إبرام الاتفاق النووي سيؤدي إلى تفادي تهديدات خطيرة للمنطقة، وسيؤدي ذلك لاستقرار وسلام أكبر فيها".
وتابع "لكن مع الأسف منذ توقيع الاتفاقية لم تشهد المنطقة سلماً ولا استقراراً، وهذا هو الأمر الأساسي، ولذلك نقول إنّ إيران لم تلتزم بالتوقعات".
وكان ترامب، قد صرّح، في وقت سابق، بأنّه توصّل إلى قرار بخصوص الاتفاق الإيراني، دون أن يفصح عن تفاصيله.
وأوضح تيلرسون أنّ الرئيس الأميركي، اتخذ قراره بشأن الاتفاق لكنّه لم يعلن عنه بعد، وأضاف أنّ الاتفاق مع إيران يؤثر على صورة أميركا أمام كوريا الشمالية، مؤكداً وجود تحفظات أميركية عليه.
ظريف: الاتفاق متعدد الأطراف وليس ثنائياً
في المقابل، قال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، في تصريحات صحافية عقب الاجتماع، إنّ الولايات المتحدة باتت بعيدة عن الواقع الدولي، وكل الحاضرين باستثناء أميركا أكدوا ضرورة تنفيذ التعهدات في الاتفاق، مع تأييد عدم قبول التفاوض مجدداً حول الملف.
وذكر ظريف أنّه نقل للمشاركين انتقاد بلاده لانتهاكات واشنطن للاتفاق، وخاصة في عهد إدارتها الجديدة، فضلاً عن رفضها لكافة التصريحات التي طاولتها، ولاسيما تلك التي جاءت على لسان ترامب أخيراً.
ووصف الوزير الإيراني الاتفاق، بأنّه "ذو أطراف متعددة، وليس اتفاقاً ثنائياً بين طهران وواشنطن"، وقال إنّ هذا الاجتماع غير الرسمي، هو الثاني من نوعه منذ التوصّل للاتفاق النووي في يوليو/تموز 2015، متوقعاً عقد جلسة مماثلة في المستقبل القريب.
وكان الرئيس الإيراني حسن روحاني، قد ذكر، خلال كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، أنّ بلاده ترفض التهديدات الأميركية، ولكنّها لن تكون الطرف الذي يخرق الاتفاقية، واصفاً الرئيس الأميركي بـ"الجاهل والعبثي".
وأشار روحاني، كذلك، إلى وجود أطراف عديدة للاتفاق، لافتاً إلى أنّ بلاده ستنتظر ردود فعل باقي الدول والخطوات التي تنوي اتخاذها، في حال خرجت الولايات المتحدة من الاتفاق.
الاتحاد الأوروبي: الاتفاق لم يُخرق
في الأثناء أكدت الممثلة العليا للأمن والسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي فيدريكا موغريني، أنّه لم يحدث أي خرق لقرار مجلس الأمن، ولأي من بنود الاتفاق النووي الإيراني.
وقالت موغريني، في تصريحات صحافية، عقب الاجتماع، إنّ "كل المجتمعين، بمن فيهم الجانب الأميركي، اتفقوا على أنّه لم يتم خرق أي بند من بنود الاتفاق، وهذا ما أكده تقرير منظمة الطاقة الدولية الأخير، وجميع التقارير الثمانية التي قدمتها المنظمة لنا، وهي المنظمة المختصة والمسؤولة عن تحديد ذلك".
وأضافت أنّ "هناك أموراً أخرى خارجية ولا علاقة لها بالاتفاق، وعلينا الحديث عنها في أطر مختلفة، ولكن لا ينبغي ربطها بالاتفاق، لأنّ الاتفاق لم يتم خرقه".
ثم أبرزت أنّه "ليس سراً أنّ الولايات المتحدة تنظر للأمر على حدة، ولكن هذا خارج نقاشنا في هذا الإطار. نحن ملتزمون بأنّ الاتفاق النووي ساري المفعول وناجح ولا خروقات. وليس سراً أنّنا نعيش في أوقات صعبة، والصراعات تحيط بنا من أكثر من جهة، ناهيك عن وجود تهديد نووي قادم من جهة أخرى (في إشارة لتهديدات كوريا الشمالية)".
وذكرت المتحدثة ذاتها، أنّ "المجتمع الدولي لا يمكنه أن يسمح بوقف العمل باتفاق يلتزم الجميع به"، مضيفة: "هذا ليس اتفاقاً ثنائياً. هذا قرار مجلس الأمن تم تبنيه، وكل الدول الأعضاء بمجلس الأمن ملزمة به ولا يتبع لدولة واحدة"، ثم أكدت أنّه "لم تتم مناقشة أي تغييرات في الاتفاق"، وكررت أن "هذا ليس اتفاقاً ثنائياً، بل هو أكثر من اتفاق متعدد الأطراف، لأنّه قرار لمجلس الأمن، ولا يمكن لطرف الانسحاب منه".
ولفتت موغريني إلى أنّ "إيران تلتزم بعدم حيازة أو تطوير أي أسلحة نووية بموجب القرار، وتحت أي ظرف من الظروف. وهذا البند ساري المفعود إلى الأبد. هناك بنود ينتهي أمدها بعد فترة، ولكنها لا تتعلق بحيازة الأسلحة النووية، وهذا واضح".
ورداً على سؤال حول التحفظات الأميركية، قالت إنّ "تلك التحفظات حول الدور الإيراني بالمنطقة يجب مناقشتها، ولكن يجب أن يكون ذلك النقاش في مكان آخر. قرار مجلس الأمن الذي يصادق على الاتفاق لم يتم خرقه، وهذا هو الأساس".
وبشأن تصريحات عن رغبة الولايات المتحدة في إعادة التفاوض على بعض البنود، قالت "لا حاجة لإعادة التفاوض حول أجزاء من القرار، لأنّ جميع الأطراف ملتزمة. هناك أمور أخرى متعلّقة بالصراع في سورية واليمن، ولكن هذه أمور استراتيجية وجيوسياسية لا علاقة لها بالاتفاق حول البرنامج النووي الإيراني".
ورفضت موغريني نفي أو تأكيد ما إذا كان الطرف الأميركي أعلن عن نيته الانسحاب من الاتفاق، مجددة التأكيد "هذا ليس اتفاقاً إيرانياً أميركياً. هذا اتفاق متعدد الأطراف تمت المصادقة عليه في مجلس الأمن، وهو قرار ملزم للجميع ولم يتم خرقه بأي شكل".
فرنسا: الاتفاق النووي "لم يعد كافياً"
وتوازياً، اعتبر الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، الأربعاء، أنّ الاتفاق النووي الذي أبرمته الدول الكبرى مع إيران حول برنامجها النووي في 2015 "لم يعد كافياً"، نظراً إلى "التطورات الإقليمية" و"الضغوط المتزايدة التي تمارسها إيران في المنطقة".
وقال ماكرون، خلال مؤتمر صحافي، "نحن بحاجة إلى اتفاق 2015. هل هو كاف؟ كلا، نظراً إلى التطورات الإقليمية والضغوط المتزايدة التي تمارسها إيران في المنطقة"، مشيراً أيضاً إلى "النشاط الإيراني المتزايد على صعيد الصواريخ البالستية".
وكان ماكرون يتحدث في نيويورك على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة، في الوقت الذي كان فيه وزراء من إيران والدول الست الكبرى الموقعة على الاتفاق النووي مجتمعين لمناقشته.
وتصرّ الدول الأخرى الموقعة، ومن ضمنها فرنسا، على أنّ الاتفاق يبقى السبيل الأفضل لمنع طهران من تطوير قنبلة نووية، لكن ماكرون قال إنّ الاتفاق يمكن تحسينه.
وأوضح أيضاً أنّ برنامج إيران للصواريخ البالستية يجب تقليصه، مشيراً إلى الحاجة لطمأنة "دول في المنطقة، والولايات المتحدة".