لم يفصح الرئيس التونسي، الباجي قائد السبسي، حتى الآن عن موقفه من خطاب رئيس الحكومة، يوسف الشاهد، الذي هاجم خلاله نجله مدير حزب نداء تونس، حافظ قائد السبسي، واتهمه ومن حوله بتدمير الحزب، مطالباً بحركة تصحيحية داخل الحزب. بل إن السبسي التقى بالشاهد بعد الخطاب الشهير ثلاث أو أربع مرات، وذهب في ظن الجميع أن الرئيس قد يكون أشّر على هذا الهجوم، وربما يكون قرر أيضاً الإبقاء على الشاهد في منصبه، خصوصاً أنه التقاه قبيل إقالة وزير الداخلية، لطفي براهم، وذُكر أن الرئيس كان على علم بهذا التعديل.
لكن مصادر خاصة كشفت، لـ"العربي الجديد"، أن السبسي قد انتهى من الشاهد نهائياً وبدأ يفكر في المرحلة التالية، وهو ما كانت "العربي الجديد" أكدته قبل خطاب الشاهد. وتكشف المصادر أيضاً أن الشاهد عرض بالفعل مسألة إقالة براهم على السبسي، واقترح أن يتولى وزير البيئة، رياض المؤخر المنصب بدلاً منه، وهو ما رفضه الرئيس. ويتساءل الجميع في تونس عن كيفية الخروج من الجمود السياسي الذي وصلت الدولة إليه حالياً، فالرئيس يبحث كيفية استبعاد الشاهد لكنه لا يستطيع دستورياً أن يقيله إلا بطلب ذلك من البرلمان، مع ما يمكن أن ينتج عن ذلك من تبعات خطيرة إذا رفض البرلمان إقالة الشاهد، ما يفرض استقالة الرئيس آلياً، والشاهد غير مستعد أيضاً للاستقالة من تلقاء نفسه مع أنه قد يقبل بذلك إذا طلب منه السبسي الاستقالة، بحسب ما تقوله المصادر.
وبالإضافة إلى ذلك، يبدو أن سيناريو رئيس الحكومة السابق، الحبيب الصيد مستبعد، لأن حركة النهضة ترفض إبعاد الشاهد وكتلتها ستؤيده في البرلمان، ما يعني أن الكل في فترة الترقب والانتظار، وهو ما يبيّن مرحلة الجمود التي وصل إليها الجميع. وتؤكد المصادر أن الشاهد أصبح تقريباً الممسك الرئيسي بخيوط المبادرة حتى الآن، وجاءت إقالته لوزير الداخلية في شكل رسالة إلى الجميع بأنه صاحب القرار، موضحة أنه يعكف حالياً على بحث تشكيل حكومي جديد، بعد أن كان أكد بنفسه أنه سيدخل تعديلات على حكومته. غير أن الشاهد سيكون مضطراً للذهاب إلى البرلمان لعرض التشكيلة الحكومية الجديدة، ما قد يمثل فرصة لإسقاط حكومته إذا حصل معارضوه على أغلبية داخل البرلمان، وهو أمر ممكن نظرياً وعددياً دون احتساب "النهضة". لكن إذا لم تجتمع هذه الأغلبية ومُنح الثقة مجدداً فسيكون الشاهد قد فرض واقعاً جديداً على الجميع، وستدخل تونس في ما يسمى بمرحلة التعايش السياسي، أي برأسيْ سلطة تنفيذية غير متفقين، ما سيزيد من تعكير الوضع السياسي وإرجاء الإصلاحات الضرورية لاقتصاد عليل يستوجب أكثر ما يمكن من توافق بين الأحزاب والمنظمات، وهو في المحصلة غير موجود.
وكشفت مصادر لـ"العربي الجديد" أن لقاء غير معلن جمع أخيراً بين السبسي ورئيس حركة النهضة، راشد الغنوشي، أكد خلاله الأخير لمضيفه أنه متمسك بالشاهد رئيساً للحكومة، وأنه مع المحافظة على الاستقرار الحكومي، ما يعني أن الأزمة بين الرجلين تراوح مكانها، وأن شهر العسل انتهى فعلياً. وتحدث البعض عن خلاف بين الغنوشي وحافظ قائد السبسي بعد الانتخابات البلدية أنهى التوافق نهائياً بين الرجلين والحزبين. وذُكر أن السبسي الابن قد يكون أهان الغنوشي في بيته، لكن المصادر تؤكد أن الإهانة لم تحصل، وأن السبسي الابن ذهب بالفعل إلى منزل الغنوشي وقال إنه لم يعد مستعداً للحكم المشترك مع "النهضة" وإن العقد بينهما انفرط تماماً. غير أن حسابات "النهضة" لا ترتبط بعلاقاتها بآل السبسي، وإنما بمعطيات جديدة قد تكون دخلت على الخط في علاقة بمستقبل المشهد السياسي في أفق 2019. وأمام المراوحة في المشهد، دخل الجميع في وضع ترقب وانتظار ما ستؤول إليه الأحداث ومن سيطلق المبادرة الأولى. ولئن تكثفت اللقاءات بين السبسي والشاهد والغنوشي والأمين العام للاتحاد التونسي للشغل، نور الدين الطبوبي، في لقاءات ثنائية كل مرة، فإن لاعبين جدداً دخلوا على خط الأزمة، من بينهم سفراء معتمدون في تونس. ولئن كان السفير الفرنسي، أوليفييه بوافر دارفور، عبر صراحة عن دعمه لحكومة الشاهد، فإن السفير الألماني، أندرياس رينكا، يبدو أنه قد دخل على الخط والتقى بأكثر من جهة. وبحسب ما تقوله المصادر فإنه يبدو أيضاً داعماً لبقاء الشاهد.