تونس: رئاسة البرلمان تمهّد لـ "تحالف جديد"

05 ديسمبر 2014
نواب يباركون لمحمد الناصر فوزه برئاسة البرلمان (فرانس برس)
+ الخط -
ترسم نتيجة انتخابات مكتب رئاسة مجلس النواب التونسي، التي جرت أمس الخميس، ملامح التحالفات السياسية المقبلة، وتعكس طبيعة الاتفاقات الحاصلة بين أهم مكوّنات المشهد السياسي التونسي الجديد. وعلى الرغم من التكتّم الشديد، الذي طبع اليومين الأخيريْن، لكنّ توزيع الأصوات الممنوحة للرئيس الجديد للبرلمان محمد الناصر، ونائبيه عبد الفتاح مورو وفوزية فضة الشعار، تُظهر طبيعة اتفاقات أبرمت ليل الأربعاء ــ الخميس، وتبشّر بولادة ترويكا جديدة في تونس. وأثمرت الاتصالات عن انتخاب الناصر من حركة "نداء تونس"، رئيساً للبرلمان، بـ 176 صوتاً. ويقود انتخاب كل من مورو نائباً أول بـ157 صوتاً، وفوزيّة فضّة الشعار عن الاتحاد الوطني الحر نائباً ثانياً بـ150 صوتاً، بعد انسحاب مرشح حزب "آفاق تونس"، نعمان الفهري، المتحالف مع "النداء"، من سباق نائبي الرئيس، إلى فهم طبيعة الاتفاق الذي حصل، من ناحية، وانعكاساته على الساحة السياسية، من ناحية أخرى.

وتكشف النتائج أنّ اتفاقاً جمع بين "نداء تونس" و"النهضة" و"التيار الوطني الحر" و"آفاق" وبعض المكوّنات الصغيرة الأخرى، مستثنياً، بما لا يدع مجالاً للشك، "الجبهة الشعبيّة" اليسارية التي يقودها حمّة الهمامي، باعتبار حصول مرشّحته مباركة البراهمي (زوجة المعارض التونسي محمد البراهمي الذي اغتيل العام الماضي) لمنصب النائب الأول للرئيس، على 33 صوتاً فقط، مقابل حصول مورو على 157 صوتاً، في وقت أشار فيه القيادي الجيلاني الهمامي، إلى "عدم دخولهم في مشاورات مع نداء تونس، الذي اختار التحاور مع أطراف أخرى". ويقود تراجع "حركة النهضة" عن ترشيح مورو إلى منصب الرئيس في اللحظة الأخيرة وترشّحه إلى منصب النائب الأول، ونجاحه الواسع بدعم من كتلته وكتلة نداء تونس والتيار الوطني الحرّ، إلى تأكيد الاتفاق الحاصل، وهو ما عكسته حالة الرضا الواضحة لدى نواب الحركة.

وتثير ملامح التفاهم المُبرم تساؤلات تتعلّق بطبيعة التفاهمات الحاصلة بين هذه المكوّنات التي تسيطر مجتمعة، وبشكل مطلق، على مجلس النواب. ويضمن استمرار اتفاقها، سيطرتها على المشهد السياسي النيابي والحكومي برمّته، في انتظار شقِّه الرئاسي الذي يبدو أنّه كان محور مشاورات جوهريّة، على الأقل من جانب "نداء تونس".

ويتساءل عدد من المتابعين عمّا إذا كان منصب النائب الأول للرئيس الذي يشغله مورو، مرضياً لجملة مطالب حركة النهضة، وهو تساؤل منطقي، تجيب معلومات خاصة بـ "العربي الجديد" على جزء منه، إذ تعتبر أنّ هذا المنصب هو "اتفاق أولي بين النهضة والنداء، يعكس في مرحلة أولى، إبراز حسن النوايا بين الطرفين، في انتظار أن يتأكّد للنداء، إذا بقيت حركة النهضة على حياد رئاسي حقيقيّ، ويتأكّد للنهضة ما إذا حصلت على نصيب حكومي محترم".

ويقدّم هذا الاتفاق، وفق مصادر قريبة من حركة "النهضة" و"نداء تونس"، جملة من الرسائل السياسيّة الهامّة، أوّلها أنّ "حركة النهضة ستبقى مكوّناً رئيساً في الحكم، وبالتالي في صياغة كلّ التفاهمات السياسيّة والقانونيّة في المرحلة المقبلة، والتي تُعدّ تأسيسية بامتياز، ستحدد طبيعة الدولة التونسية الجديدة". ولا تريد "النهضة"، وفق المصادر، أن "تبقى خارج هذه الرحلة متفرجة على الرغم ممّا سيكلفها ذلك من تنازلات أو خسائر، فهي ستكون رئاسياً في مواجهة جزء كبير من قواعدها، صوّت للرئيس الحالي منصف المرزوقي في الدور الأول، ولا أحد يمكنه ضمان عدم تكرار الأمر في الدور الثاني، انطلاقاً من طبيعة الخلاف الجوهري بين النداء والنهضة، واستئثار المرزوقي بخطاب المواجهة لهذه المنظومة الذي يرضي جزءاً لا يُستهان به من هذه القواعد".

وتضيف المصادر أنّ "الحركة ستكون في مرمى انتقادات العائلات السياسيّة القريبة منها فكرياً (الأحزاب ذات التوجّه الإسلامي)، وسياسياً (الأحزاب المختلفة مع النداء من الديمقراطيين الاجتماعيين ومن خاسري الانتخابات الماضية)، بالإضافة الى ضمان حصولها على مناصب تضمن معارضتها المعلنة سابقاً لرفض التفرّد واستئثار "النداء" بكل رؤوس الحكم.

في المقابل، فإنّ غنيمة حركة "النداء" الانتخابية، سترافقها جملة من الخسائر الهامة الممكنة، أولها أنها ستجد نفسها مضطرّة أمام قواعدها، لتبرير الاتفاق الجديد مع النهضة، وخصوصاً أنّها ركّزت الجزء الأكبر من حملتها الانتخابية على مواجهة "الترويكا"، التي قادتها "النهضة"، بل أنّ تأسيس الحزب نفسه، قام على هذا المبدأ. وسيخسر النداء بموجب هذا الاتفاق حليفاً هاماً، هو الجبهة الشعبيّة اليساريّة، على الرغم من ادراكه بأن جزءاً من قواعدها لن يصوّت للمرزوقي في الدور الثاني، نتيجة الخلافات.

وكانت قيادات "النداء"، قد كرّرت طيلة الحملة الانتخابية، أنّ تحالفها لن يكون إلا مع العائلة الفكريّة والسياسيّة القريبة منها، وبالتالي على حركتي النداء والنهضة أن يُثبتا قسراً هذا التقارب فكرياً، وهو لن يكون إلا في صالح النهضة، التي تريد أن تثبت للعالم، مرة أخرى، أن الإسلام السياسي لا يتعارض مطلقاً مع اللعبة الديمقراطية، ولأوروبا أنّه بإمكانها أن تتفق مع حليفها الموضوعي "نداء تونس".

وتجمع معظم الآراء على أنّ تصويت يوم أمس الخميس، هو بمثابة الخطوة الأولى نحو تشكيل مشهد سياسي جديد بأكمله في تونس، لكنّه يحتاج إلى ثلاثة أسابيع أخرى على الأقل (إلى حين الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية)، حتى تتضح تفاصيله، بعد أن يختبر كلّ طرف نوايا الآخر، بما يُسقط الريبة والشكّ، وإن كان مشهد الحكم والمعارضة في تونس، قد بدأ يتشكّل شيئاً فشيئاً.

المساهمون