تصر أغلب الأطراف الاقتصادية، كما السياسية في تونس، على ضرورة توظيف حصول الرباعي الراعي للحوار (منظمة الأعراف ومنظمة الشغالين وهيئة المحامين ورابطة حقوق الإنسان) لجائزة نوبل للسلام، اقتصادياً، معتبرين أن هذا النجاح الذي حققته تونس يمثل أفضل حملة دعائية لجلب المستثمرين والسياح.
ويعتبر المراقبون للشأن الاقتصادي أن تونس فوتت على نفسها العديد من الفرص إبان المسار الانتقالي كان يمكن أن تستفيد منها اقتصادياً بشكل كبير على غرار نجاح انتخابات المجلس التأسيسي في أكتوبر/تشرين الأول 2011 والانتخابات التشريعية في الشهر ذاته من 2014، التي ضمنت انتقالاً سلمياً للسلطة.
ويرى مراقبون أيضاً أن الحكومة التونسية لم تنجح في توظيف نجاحاتها السياسية أثناء استضافتها قمة الدول الثماني الكبرى في يونيو/حزيران الماضي، حيث كانت تعهدات هذه الدول بالمساعدة ضعيفة فيما بقي جلها على مستوى الوعود.
وأثار الإعلان عن إحراز تونس جائزة نوبل للسلام ضجة كبيرة في وسائل الإعلام الأجنبية، حيث تصدر الخبر الصفحات الأولى لعدد من الصحف والنشرات الإعلامية العالمية.
وعلق الخبير الاقتصادي، عز الدين سعيدان، على الحدث قائلاً: "إن تونس لو وضعت كل موازنة الدولة للتسويق لوجهتها لما تمكنت من محو تداعيات عمليتي باردو وسوسة الإرهابيتين كما فعلت بحصولها على جائزة نوبل للسلام".
وقال سعيدان لـ"العربي الجديد" إن توقيت الحصول على الجائزة مميز وسيساعد تونس على الخروج من مرحلة الانكماش الاقتصادي ومن نسبة النمو السلبية، مشيراً إلى ضرورة استثمار هذا التتويج داخلياً. وشدد على أهمية السلم الاجتماعي وتعليق حق الإضراب على الأقل لمدة سنتين، مؤكداً أن انهيار الاقتصاد يعني انهيار تجربة الانتقال الديمقراطي برمتها.
وكانت العلاقة بين الاتحاد العام التونسي للشغل واتحاد الصناعة والتجارة والصناعات التقليدية أحد أبرز طرفي الحوار الفائزين بالجائزة قد شهدت خلال الأسابيع الماضية توتراً كبيراً بسبب رفض منظمة رجال الأعمال التفاوض حول الزيادة في رواتب عمال القطاع الخاص، ما أدى إلى التبادل بالاتهامات وتهديد منظمة العمال بالدخول في سلسلة من الإضرابات التاريخية.
واعتبر سعيدان، أنه إذا تواصل الوضع الاقتصادي في تراجع قد تلجأ تونس إلى طلب إعادة جدولة ديونها الخارجية من المؤسسات المالية والجهات المانحة بحلول 2017.
وأضاف سعيدان أن تأثيرات طلب تونس إعادة جدولة ديونها ستكون كارثية على سمعتها وعلى الأجيال القادمة مشيراً إلى أنّ تونس حافظت منذ الاستقلال وإلى حدود اليوم على سمعة جيدة في الأسواق العالمية حيث لم تتأخّر في سداد ديونها، معتبراً أنه إذا اضطرت تونس إلى جدولة ديونها أو تعليقها لمدة معينة سيتم التعامل معها بحذر في السوق العالمية، وسيكون إقراضها مشروطاً بسعر فائدة مرتفع وهو ما اعتبره إجراماً في حق الأجيال القادمة.
وتتطلع تونس إلى الحصول على قروض جديدة بحلول 2016 في حدود 1.7 مليار دولار، وفق ما أعلنه محافظ البنك المركزي، زيادة على القسط الأخير من القرض الذي وعد به صندوق النقد الدولي.
اقرأ أيضاً: الإصلاحات الاقتصادية في تونس لا تبدو في طريق معبدة
ويشكو الاقتصاد التونسي من محدودية موارد التمويل الذاتي في ظل تراجع عائدات السياحة وصادرات الفوسفات؛ بسبب توقف مصانع التحويل لأكثر من سنة نتيجة الإضرابات الاجتماعية في منطقة الحوض المنجمي جنوب غرب البلاد، وهو ما جعل منظمة العمال تواجه العديد من الانتقادات بسبب سماحها بهذه الإضرابات التي أفقدت الاقتصاد التونسي 0.7% من الناتج المحلي الإجمالي.
ويتوقع المراقبون للشأن العام أن يؤسس حصول الرباعي على جائزة نوبل لمرحلة جديدة في العلاقة بين العمال ورجال الأعمال، وذلك على ضوء تصريحات قيادتي المنظمتين اللذين أكدا على ضرورة العودة إلى العمل وإرساء السلم الأهلي وعقد هدنة اجتماعية تمكن من رفع الإنتاجية ودعم الاقتصاد الوطني.
وقال عضو المكتب التنفيذي لحركة النهضة عماد الحمامي، إنه سيكون من المحرج للمنظمتين مستقبلاً الدخول في خلافات جديدة، مشيراً إلى أن الرباعي الذي تحمل في أصعب الفترات التي مرت بها البلاد في 2013، مسؤولية جمع كل الخصوم السياسيين إلى طاولة الحوار والتوافق، مدعو اليوم لبذل الجهد ذاته من أجل المساعدة في إخراج البلاد من مرحلة لا تقل صعوبة عن سابقتها.
وأبرز الحمامي، أن تونس تمكنت من تجاوز التحدي السياسي بانتخاب مؤسسات دائمة غير أن التحدي الاقتصادي لا يزال قائماً، وفق قوله، معتبراً أن على المرحلة القادمة المرور إلى السرعة القصوى في إجراء الإصلاحات الهيكلية التي تحتاجها البلاد حتى تتمكن من مجابهة النسب العالية من البطالة والإيفاء بتعهداتها المالية الخارجية، زيادة على تحقيق الحد الأدنى من مطالب الثورة في التنمية العادلة بين المحافظات وخلق مواطن الشغل.
وتواجه تونس ضغوطات كبيرة من دوائر القرار المالي للإسراع في الإصلاحات الاقتصادية المطلوبة والتي ستطاول الجباية والجمارك والقطاع المصرفي زيادة على إجراءات اجتماعية تطاول دعم المواد الأساسية.
وتُجمع حالياً أحزاب الائتلاف الحاكم وحتى أحزاب المعارضة على أن ساعة الصفر قد دقت وأنه لا مجال لتأخير الإصلاحات المفروضة، داعية الأطراف الراعية للحوار إلى المساهمة في تأهيل الأرضية الاقتصادية والاجتماعية نحو تمرير هذه الإصلاحات بسلاسة.
ومن المنتظر أن تحيل الحكومة في الأيام القليلة القادمة مشروع قانون المالية للعام القادم، إلى البرلمان لمناقشته والمصادقة عليه.
وتعد سنة 2015 من أصعب السنوات الاقتصادية التي مرت على تونس بعد ثورة يناير/كانون الثاني 2011 بسبب الضربات المتتالية التي تلقاها الاقتصاد وفقدان القطاع السياحي أكثر من 50% من عائداته نتيجة العمليات الإرهابية التي أدت إلى مقتل أكثر من 60 سائحاً خلال ثلاثة أشهر.
اقرأ أيضاً:
تونس تنهي الطوارئ أملاً في عودة المستثمرين
عودة الروح لصناعة الطربوش التقليدي في تونس