"عيد الشغل أصبح عيد الشعب وعيد تونس، وعيد السواعد القوية والتضحية والثورة الاجتماعية التي حرّرت الشعوب من الأغلال. إن احتفالكم بعيد الشغل له معنى. بعد الاحتفال، يجب أن يفتح باب جديد للنضال حتى نقضي على قوى الرجعية ونكسر القيود التي تأسر شعبنا". هذا ما قاله النقابي فرحات حشاد في خطابه بمناسبة عيد الشغل العالمي، في الأول من مايو/أيار عام 1951.
منذ أقرّت تونس هذا العيد رسميّاً عام 1948، بات الأول من مايو/أيار يوماً ينتظره آلاف العمال والموظفين في كل أنحاء البلاد. وجرت العادة أن ينظم الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر تنظيم نقابي يدافع عن العمّال) احتفالات وسط العاصمة تونس، بمشاركة كثير من النقابات العمالية الأخرى وبعض الأطياف السياسية وجمعيات المجتمع المدني.
يشارك أيضاً نحو 700 ألف موظف في القطاع العام، وأكثر من مليوني موظف في القطاع الخاص، وآلاف العاملين الآخرين في مختلف المهن باليوم العالمي للشغل. في المقابل، يبقى آلاف الكادحين الذين لا يرتاحون حتى في عيدهم، بهدف تأمين قوتهم.
وفي ظل كفاح الآلاف وشقائهم اليومي البعيد عن المزايدات السياسية والصراعات النقابية، هناك من يفكر فقط برزقه. في أحد أحياء العاصمة التونسية، كان عامل البناء مقداد بن محمد (47 عاماً) يجرّ عربة ملأها بالرمل لتوّه. لا يعرف شيئاً عن عيد الشغل. بالنسبة إليه، هو كسائر الأيام. وإذا قرر عدم العمل فيه، فلن يكون قادراً على إطعام أولاده في هذا اليوم. لا يذكر أنّه احتفل بعيد العمّال لأنّه يعمل بأجر يومي لا يتجاوز الـ 30 ديناراً (16 دولاراً)، ويعاني من أوضاع معيشية صعبة، على غرار العديد من العمال.
عادة ما لا يحتفل بالعيد العاملون في قطاع المقاولات والبناء والحرف، والصناعات الصغيرة والمصانع والباعة المتجولون والخدمة المنزلية وشركات التنظيف وغيرهم. ويصعب إيجاد إحصائيات رسمية حول عدد العاملين في هذه المهن، خصوصاً أنها أعمال حرة لا تخضع لأي جهاز رسمي في البلاد.
في السياق، يقول الحاج صالح السلايمي (70 عاماً)، وهو تاجر يملك محلاً متواضعاً للألبسة منذ نصف قرن أو أكثر، إنه لا يقفل محلّه إلا في الأعياد الدينية. هذا حاله منذ افتتح محله. يوضح أنه ليس لديه أبناء لإعالته وتلبية احتياجاته، مضيفاً أنه إذا اختار الاستراحة في عيد الشغل، فسيخسر أجر يومه البسيط الذي لا يتجاوز الـ 20 ديناراً (10 دولارات)، وهذه خسارة كبيرة بالنسبة إليه. يرى أن "عيد العمال هو عيد أولئك الذين يتمتعون بحقوقهم وليس لمن هم مثلي".
وعلى الرغم من أن الأول من مايو/أيار هو يوم عطلة رسمية، يعد بالنسبة للبعض يوم عمل عادي. ويصعب تحديد عدد الذين أسقطوا هذا اليوم من أجندتهم، في ظل عدم وجود إحصائيات تبيّن حجمهم وأماكن تواجدهم والقطاعات التي يعملون فيها.
في هذا اليوم من المفترض إذا أن يحصل العمال على يوم راحة مدفوع الأجر. أما أولئك الذين يعملون في ذلك اليوم، فيحصلون على أجر مضاعف سواء في القطاع العام أو الخاص. في المقابل، لا يولي آلاف العمال وأصحاب المهن الحرة الصغيرة أي أهمية لهذا اليوم، وهم على يقين أنهم لن يحصلوا على المال إلا من خلال العمل.
تعملُ منجية (45 عاماً) مدبرة منزل منذ 15 عاماً. تقول إنها لا تعلم ما يعنيه عيد الشغل. كيف تعرف عنه أي شيء علماً أنها لم تشارك في احتفالاته يوماً. تضيف أن أصحاب البيت الذين تعمل لديهم "يأخذون إجازة ويحتفلون فيه كل عام خارج البيت". أما هي، فلا تستطيع الحصول على إجازة في هذا اليوم حتى لا تطرد من عملها. توضح أنه في "عيد العمال، يحتفل الموظفون وأصحاب المناصب العليا فقط".
ليس بعيداً عن ساحة محمد علي حيث مقرّ الاتحاد العام التونسي للشغل، كانت فاطمة تكنس الشارع، وتحديداً على مقربة من محطة المترو في العاصمة. حين نسألها عن عيد العمال، تجيب ضاحكة: "هل أعدّ عاملة أم ماذا"؟ تصمت قليلاً قبل أن تتابع حديثها قائلة: "العامل هو من يتمتع بحقوقه. أما أنا، فأنظف الشوارع طيلة اليوم مقابل أجر بسيط، ومن دون أي تغطية صحية أو اجتماعية". تسأل: "ماذا أصنف في حالة كهذه؟ هل أكون عاملة؟".
في الوقت الذي لا يعرف آلاف العمال شيئاً عن عيدهم وربما حقوقهم، وفي ظل تراجع العمل النقابي الذي كانت له الكلمة الفصل في تحصيل حقوق العمال، أعلن الاتحاد العام التونسي للشغل أن عيد الشغل سيكون بمثابة يوم غضب، إذا لم تتجاوب الحكومة مع مطلب زيادة الأجور.