توظيف القضية الفلسطينية في خدمة أجندات إقليمية

25 نوفمبر 2017
القمة العربية الأميركية كانت محطة مفصلية (الأناضول)
+ الخط -
حتى قبل أن يتسلم الرئيس الأميركي دونالد ترامب صلاحياته الرئاسية رسمياً كان قد عقد العزم على إحداث اختراق في الشرق الأوسط في مغامرة تتجاوز الرؤساء الأميركيين السابقين. ورغم تعقيدات القضية الفلسطينية وتشابكات الصراع الذي امتد لقرن وسطحية الخلفية المعرفية والتاريخية للصراع لدى ترامب وفريقه المحيط، إلا أن جملة من الأسباب شجعته على المضي قدماً في مغامرته غير مضمونة النتائج، منها:
- جرعة الإلحاح الزائدة من أطراف عربية، خاصة خليجية (السعودية والإمارات)، على ضرورة تشكيل تحالف وفي قلبه إسرائيل لمواجهة إيران الصاعدة، ولكن هذا يتطلب بالضرورة قنبلة دخانية تخفي من ورائها حقيقة التحالف، والقضية الفلسطينية تحقق الغرض، لأن المطلوب هو الشكل وليس المضمون، المظهر وليس الجوهر.
- اكتشف ترامب مبكراً صعوبة تحقيق إنجازات كبرى في ملفات السياسة الخارجية على طريقة الصدمات خاصة الشرق الأوسط باستثناء القضية الفلسطينية، والتي تؤهلها الظروف المحيطة بها لذلك.
- أحوال العالم العربي ومعها الوضع الفلسطيني شجعت، ليس ترامب فقط، ولكن الإدارة الأميركية واليمين الإسرائيلي الحاكم، لاقتناص الفرصة التاريخية وفرض الحل على مقاس اليمين الصهيوني المتطرف.
- لطالما انتظرت إسرائيل الفرصة التي لم تتحقق أبدا منذ نشأتها، وهي التطبيع الكامل وتحولها من دولة منعزلة ومنبوذة إقليميا إلى دولة مركزية ومحورية بعلاقات كاملة مع محيطها العربي.
- النظام العربي الرسمي يعاني من أزمة شرعية، فالأنظمة وإن بدت وكأنها تسيطر على الأوضاع بعد انتصار الثورة المضادة، إلا أنها في معركة مفتوحة مع شعوبها، وتوظيف القضية الفلسطينية والتضحية بها يشكلان أداة فعالة في التقرب من ترامب وحليفته إسرائيل التي بلا شك تدعم هذه الأنظمة الدكتاتورية.

أهداف ترامب
إذن، تقاطعت رغبة ترامب بإحداث اختراق في السياسة الخارجية مع رغبة خليجية (السعودية والإمارات) في التطبيع مع إسرائيل والدفع بالعلاقات من السر إلى العلن، مع طموح إسرائيلي لفرض الرؤية الصهيونية للحل، وفوق ذلك تشكيل تحالف يجمع الأطراف على أرضية مواجهة إيران ونفوذها الصاعد في المشرق العربي. ولأن الفلسطينيين هم الحلقة الأضعف، فمن المنطقي أن يكون أي حل على حساب حقوقهم التاريخية وثوابت قضيتهم التي لطالما تشبثوا بها.
وبالتالي عندما شكل ترامب فريقه لبلورة خريطة الحل من صهره جارد كوشنر ومستشاره ومبعوثه الخاص للسلام جيسون غرينبلات وديفيد فريدمان ونائبة مستشار الأمن القومي دينا باول، وهم أقرب سياسياً وأيديلوجياً (باستثناء الأخيرة) لليمين الإسرائيلي ورؤيته للصراع، كان يضع في حساباته الخطوط الحمر لليمين الحاكم في إسرائيل بعيداً عن طموحات الفلسطينيين أو المطالب العربية في حدها الأدنى.
ورغم أن الرؤية لم تتم صياغتها وترجمتها إلى خطة عملية واضحة المعالم، إلا أنه ليس من الصعب التنبؤ ببعض مبادئها أو استشراف محدداتها أو سياقاتها العامة. ويمكن الإشارة إلى أن:
- ما هو مطلوب من الفلسطينيين والعرب من تنازلات واضح ومحدد، بعكس ما هو مطلوب من إسرائيل وهو أقرب إلى العناوين المبهمة والألغاز الغامضة منه إلى حقائق ملموسة.
- البعد الإقليمي يكتسب أولوية على البعد الثنائي الإسرائيلي الفلسطيني، بمعنى التطبيع والانخراط في مشروع دمج إسرائيل في المنطقة وتشكيل تحالف عربي بقيادة إسرائيلية سعودية أهم من إنجاز حل للقضية الفلسطينية.
- الحديث ليس عن حل سيفرض على الطرفين وإنما عن أفكار سيتم التفاوض عليها دون سقف زمني وتشجيع أميركي، ولكن الخطوط الحمر الإسرائيلية هي الإطار العام الحقيقي الذي لن يتم تجاوزه.
- الحل المطروح لا يتناول حلولاً نهائية لقضايا مصيرية، كالقدس واللاجئين والدولة الفلسطينية ذات السيادة الحقيقية على حدود عام 1967.

الأمر الواقع الإسرائيلي
مع الأخذ بعين الاعتبار أن إسرائيل وعلى مدى سنوات ما بعد عام 1967 وبالتحديد بعد اتفاق أوسلو عام 1993، كانت في سباق مع الزمن لفرض سياسات ممنهجة على أرض الواقع، بحيث تفرض واقعاً في الضفة الغربية والقدس لا يمكن تجاوزه في أي حل مستقبلي، سواء أكان أميركياً أو غير ذلك، ومن أهم هذه الحقائق:
- السيطرة الفعلية على حوالى 60% من مساحة الضفة الغربية، وهي مساحة المنطقة "C" حسب اتفاق أوسلو، وتمثل مستوطنات ومناطق عسكرية ومناطق محميات طبيعية حسب التعريف الإسرائيلي.
- يبلغ عدد المستوطنين في الضفة الغربية والقدس عام 2016 حوالى 760 ألف مستوطن في نحو 180 مستوطنة تقسم الضفة الغربية إلى كانتونات محاصرة ينعدم فيها التواصل الجغرافي، في وقت تتمتع المستوطنات بتواصل جغرافي ومواصلاتي لتشكل دولة مستوطنين في الضفة والقدس.
- أوجدت إسرائيل كيانين منفصلين في الضفة الغربية وقطاع غزة بفضل سياسات احتلالية ممنهجة كرست هذا الواقع.
- شيدت إسرائيل جدار الفصل العنصري الذي سيخرج من 120 إلى 150 ألف مقدسي من حدود بلدية القدس لتحقيق حسم ديموغرافي يهودي يبقي عدد الفلسطينيين ما بين 10 - 12% من سكان القدس الغربية والشرقية، مع عزل القدس عن الضفة من خلال تدشين عشرة معابر خارجية مثل أي معابر على حدود دولية.

ملامح الخطة
وبناء على أرضية الحقائق التي أوجدتها إسرائيل في الأراضي المحتلة ولا مؤشرات على إحداث تغييرات جوهرية فيها، والانسجام الأميركي الإسرائيلي والتزام ترامب وفريقه صانع السلام بخطوط اليمين الإسرائيلي المتطرف الحمر أكثر بكثير من المطالب العربية والحد الأدنى من طموحات الفلسطينيين، فإن الحل الأميركي، والمتوقع أن يكون بمضمون إسرائيلي ولكن بثوب أميركي، سيتضمن العناصر التالية:
- قيام كيان فلسطيني منزوع السلاح بسيادة غير واضحة المعالم قد تتعدد مسمياته ولكنه بالجوهر نفسه بعيدا عن حدود عام 1967 يضم غزة وبمساحة من الضفة الغربية أشبه بجزر في بحر من المستوطنات على أقل من 40% من مساحة الضفة الغربية.
- قيام شكل من العلاقة الاتحادية من قبيل كونفيدرالية أو فيدرالية بين الكيان الفلسطيني في الضفة مع الأردن، مع غزة أو بدونها، مع انفتاح أكبر بين غزة الكبرى ومصر.
- تواجد عسكري استيطاني على حدود الضفة الغربية الشرقية في غور الأردن.
- تبادل أراض إقليمي وبالتحديد بين السلطة الفلسطينية ومصر وإسرائيل (الأردن ترفض ذلك رفضاً باتاً)، يقضي بتوسيع قطاع غزة بدل مساحة المستوطنات في الضفة الغربية.
- تأجيل أهم قضايا مصيرية وهي اللاجئين والقدس، وعلى أحسن الأحوال عودة عدد محدود جداً إلى غزة الكبرى مع خطة دولية لتوطين اللاجئين في مناطق إقامتهم في الدول العربية المجاورة.
- التقدم بخطة اقتصادية طموحة لدعم السلطة الفلسطينية تتضمن إنشاء مدن ومناطق صناعية وبنية تحتية أقرب إلى الرشوة السياسية.
- ترتيبات أمنية لحفظ أمن إسرائيل، خاصة في الضفة الغربية، على المدى البعيد وبضمانة أميركية.
أما الآلية المقترحة للسير قدماً في الحل الأميركي، حسب ما تسرب إلى الآن، فتشمل أربع خطوات:
- خطوات بناء الثقة بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني تشمل وقفاً أو تجميداً جزئياً للبناء الاستيطاني في الضفة الغربية مع تسهيلات ومحفزات اقتصادية في الضفة الغربية في مقابل وقف ما يسمى التحريض الفلسطيني ووقف رواتب الأسرى والشهداء وتعظيم التنسيق الأمني.
- مفاوضات ثنائية بين الإسرائيليين والفلسطينيين بوساطة وتيسير أميركي.
- مفاوضات إقليمية بين إسرائيل وأطراف عربية عنوانها التطبيع الكامل وإقامة علاقات دبلوماسية، خاصة الخليجية منها (السعودية والإمارات والبحرين...).
- مفاوضات ذات طابع دولي تناقش قضية اللاجئين وتقدم حلولاً إبداعية تتضمن خطة توطين في مناطق سكناهم وإعمار مخيمات اللاجئين وتعويضات لجزء منهم.
إذن الولايات المتحدة تريد إنجازاً في الشرق الأوسط لكن دون تجاوز سقف اليمين الديني الصهيوني، وإسرئيل ترغب في حسم الصراع لصالحها ولكنها لا تريد دفع أي ثمن أيا كان وزنه ومضمونه، وجزء من النظام العربي في المشرق، خاصة السعودية والإمارات، والذي يعيش هواجس التمدد الإيراني ويعاني من أزمة شرعية، يلهث نحو التحالف مع إسرائيل وتقديم أوراق الاعتماد لدى ترامب، ولم يجد سوى القضية الفلسطينية للتنازل والمقامرة بها لنيل الرضى الأميركي الإسرائيلي.
(باحث فلسطيني)
المساهمون