توزير جابر عصفور: رد اعتبار لمثقفي مبارك

19 يونيو 2014
غرافيتي من شارع محمد محمود/ القاهرة
+ الخط -

كأنه أخذ عهداً على نفسه بألا يؤدي اليمين الدستورية إلا أمام حكومة يشكلها العسكر. فلم يفاجئنا جابر عصفور بتوليه منصب وزير الثقافة، أول أمس، في حكومة إبراهيم، فقد سبقها إلى حكومة الفريق أحمد شفيق، أيام "موقعة الجمل" الشهيرة (شباط/ فبراير 2011) لتسعة أيام، استقال بعدها عندما أصبح واضحاً أن محاولات إنقاذ سفينة مبارك لن تنجح، فنجا عصفور بنفسه من الغرق معها.

جابر عصفور الذي سبق وردّد أمنيته أن يكون وزير الثقافة من الشباب، سرعان ما هرع إلى قبول المنصب في حكومة شفيق مبرّراً الأمر بقوله "أنا عجوز ولكن بعقل شاب"، وها هو اليوم يتولى منصب وزير الثقافة وهو في السبعين.

عصفور من مواليد 25 آذار/ مارس 1944 في المحلة الكبرى، تخرّج من كلية الآداب قسم اللغة العربية وعيّن فيها مُعيداً. وبدأ حياته كعادة المثقفين في هذه المرحلة باقترابه إلى اليسار، وفي عام 1981 حين ازداد غضب السادات على معارضيه، وكان عصفور أحد الذين فصلوا من العمل الجامعي بدعوى انتمائه إلى اليسار آنذاك فغادر إلى السويد ليعمل أستاذاً جامعيا هناك.

بدأت رحلة عصفور مع السلطة بعد ذلك عندما أشرف على رسالتيّ الماجستير والدكتوراة لجيهان السادات، حيث "اعتمدت" عليه في توفير المصادر والمراجع اللازمة. وتم تعيينه بعد ذلك في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك عضواً في "المجلس الأعلى للمرأة"، التي كانت ترأسه سوزان مبارك، ثم أميناً عاماً لـ"المجلس الأعلى للثقافة"، ثم مديراً لـ"لمركز القومي للترجمة". حصل عصفور على العديد من الجوائز المصرية والعربية منها "جائزة الدولة التقديرية" وجائزة "القذافي العالمية للآداب"(2009) بعد أن رفضها في تلك السنة الروائي الإسباني خوان غويتيسولو.

اللافت أن عصفور، مثل غيره من رموز المؤسسة الثقافية، رفض التعاون مع حكومة الرئيس المدني المنتخب، وكان ضمن موقعي بيان المثقفين ضد "أخونة الدولة المصرية". وأيد المثقفين المصريين الذين اعتصموا أمام مكتب وزير الثقافة في عهد محمد مرسي بدعوى أنه منع "الباليه" وأنه يتلقى أوامره من مكتب إرشاد الجماعة وأن الإخوان يحاولون تغيير هوية مصر.

وبعد رحيل الإخوان ووزير ثقافتهم علاء عبد العزيز، تبين أن الأخير كان قد بدأ في فتح ملفات فساد وزارة الثقافة، حيث أقال في وقتها كل من أحمد مجاهد وإيناس عبد الدايم، الأمر الذي يثير تساؤلات عميقة حول الأسباب الحقيقية لاعتراضات هؤلاء المثقفين على وزير الثقافة أيامها. وبالطبع مع الإقرار بوقوع أخطاء في التعامل مع الثقافة المصرية في عهد محمد مرسي.

تباينت الآراء حول تولي عصفور لوزارة الثقافة في أول حكومة يشكلها عبد الفتاح السيسي، ففي حين كان من المتوقع أن يرحب تيار المؤسسة الثقافية وحرسها القديم بتعيين عصفور لوزارة الثقافة (وصفه الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي بـ"القيمة الثقافية الكبيرة")، رأى الشاعر عبد المنعم رمضان في حديث لـ "العربي الجديد" أن "كل ما تعانيه مصر الآن من تجريف للمواهب والقدرات التي تجعلنا مضطرين للاستعانة بنفس رجال ثقافة مبارك هو نتاج ثلاثين عاماً من فساد مبارك ورجاله، وما حدث في مصر بشكل عام نستطيع أن نسقطه على ما حدث في وزارة الثقافة من عودة مساعد فاروق حسني وزير ثقافة مبارك- أي جابر عصفور".

وأدان رمضان موقف المثقفين السعداء بتعيين عصفور قائلاً: "هؤلاء يعودون بمصر إلى الوراء إما لأنهم ما زالوا يتبعون للبيروقراطية الأكاديمية أو ببساطة للحفاظ على مصالحهم الشخصية". وأضاف رمضان: "تولي جابر عصفور لمنصب وزير الثقافة يعد بمثابة رد اعتبار لفاروق حسني ومساعده جابر عصفور ولكل مثقفي نظام مبارك، لأن عصفور جاء ضمن وزارة كل أعضائها من رجال مبارك الذين عادوا بعد أن وضعوا بعض "المكياج" على وجوههم، حتى رئيس الحكومة الحالي المهندس إبراهيم محلب كان أحد أبرز رجال لجنة سياسيات جمال مبارك في الحزب الوطني".

ربما ليس لنا أن نتساءل: ما الذي تغيّر؟ بل علينا أن نسائل عصراً كاملاً بـ"رموزه" الثقافية، التي تخلّت عن أهم وظائفها: "قول الحقيقة في وجه السلطة" واستعاضت عنها بدور الواجهة التنويرية التي يمر من تحتها فساد السلطة وطغيانها.

المساهمون