تمرين يومي على صيغة الماضي

09 ابريل 2018
ماريو أنخل كينتيرو/ كولومبيا
+ الخط -

قطب شماليّ للسعادة

في سوق الخردة تعثر على أشياء، وتعثُر عليك أشياء، أشياء تجرّ وحدتك من عنقها لتسمع دندنة الأمهات في المُهود الهزّازة أنّة راعٍ فارسي أسرّ بقصة عشقه لناي
عشرات القبعات التي هجرتها رؤوسها
الأصوات التي تنتقل كعدوى الغناء والبكاء من قطعة لأخرى
تغويك رغبة الترحال هنا وهناك
سحر رهيب يشحذ الخيال لتسافر في حيواتها المختلفة مثلاً:
كوب الشّاي الخزفيّ الصينيّ الفاخر
الذي ابتعتُه مؤخراً من جوطية الحيّ بخمسة دراهم، قد يعود في حياة سابعة لفتاة طيبة يعضّ الحزن على قلبها الأزرق، تعيش مع أمها
ذات العينين العسليتين
اللتين ذرَّ القدر في صفائهما حفنة رماد
فتاة صغيرة لا تملك ما تشتري به وروداً تبهجُ به صباحات
من جاءت بها إلى هذا العالم ذات صباح
لذا كل يوم في الساعة الثامنة، تغسل الكوب الخزفيّ نفسه الذي عاد به جدّها غنيمة حرب
بعدما ترك إحدى قدميه هناك
تملأ الكوب بالشايّ
تخضّب كفوف أمها بزهور بنفسج تتمَايل على الجانبين
تهشّ بأصابعها لتنزلق الحساسين مُشاغبة من رسمتِه الملونة
تشتعل البهجة بالغرفة المظلمة
بينما في الركن تتفتّح للمرأة عينان أخريان من حبّ، وينمو في صدرِ الفتاة قُطب شماليّ للسعادة.

■ ■ ■


دبيب فضي

الحلازين أكثر استجابة للشعر وحكمته
لتكون شاعراً يحتاج الأمر سُكون حلزون صغير يتشبّت
بالعشب كرضيع على صدر أمّه
قرناك واحد إلى الجنوب والآخر إلى الشمال
لتسمع حكمة الشجر من بطونها،
ظهرك أملس كأنّما صَنعتَ سفينة
من الضوء والغيم والندى وحملتها نبياً
يحمل عبء الكون وحده...
قلبك على الطين يخفق متى تنهّدت الأرض
مغموراً في الطّل حتى منتهى الوداعة
ساكناً في الصمت حتى منتهى الخيال
وفي وسط كل هذه المشاهد ودون أيّ جهد يُذكر
تمضي ولا تمضي...
وحيثما مضيت تترك على العشب دبيبك الفضيّ قصيدة لامعة.

■ ■ ■


تمرين يومي على صيغة الماضي

أستطيع أن أشرب نجوم الليل في كأس قهوة
متبّل بالهيل والقرفة والشعير المحمّص
أستطيع أن أعجن الشمس لأعدّ للمتعبين أرغفة الصباح
أستطيع أن ألقم هذا الطفل الكبير الذي يسمّونه العالم
حلمة نهدي الأيسر، ليشرب دم قلبي حتى آخر الحبّ
أستطيع أن أضع جُناة الحرب والقتلة جميعاً على فخذي
أضرب على مؤخرة جهلهم حتى يلين الطين، وأعيد تشكيل الحجر الجاثم بين ضلوع قسوتهم
أستطيع أيضاً أن أخبر اللّٰه بكلّ بساطة
وجودُنا هنا لم يعد مسلّياً، نحن العلكة التي ملّ
مضغها ضرس الحياة
وأنّني حين قصصت شعري قصيراً جداً يا اللّٰه
لم أكن أريد التشبّه بذكور، ولا فيمينيستات الكون
أنا فقط أتخفّف من ثقل الكبار وأنانيتهم
حتى إذا ما فاجأني الموت
أكون أكثر الأطفال خفّة على هذه الأرض
أنا امرأة جنوبية ضخمة وخارقة
أصرّ في طرف ملحفي غبطة الحقول
رائحة القمح وعبق التراب والماء
أستطيع فعل كل شيء وحين أحبّ
أصبح العالم ضئيلاً جداً ودبقاً مثل حبّة "ساسنو" في آخر الغصن
وأصبح أنا تلك العصفورة الصغيرة الجائعة
التي تفتح فم اللهفة لقبلة تسقط سهواً من فمك
بينما يصبح الحزن الكبير في مرود كحلي
مجرّد تمرين يومي على صيغة الماضي.

■ ■ ■


من يشعلُ هذا العشب؟

شَعري ليل قصير
تخلّلته عشر أنامل ضوئية لعازفة بيانو كتالونية
حتى الآن وقبل أن يجمع الوقت أردِيته كاملة
حتى هذه اللحظة التي تلوّح فيها إوزّات مهاجرة جاءت من البعيد
لتنام على رأسي قريرة البياض حتى هذه اللحظة الخاطفة
قبل سقوط الرّماد على الورقة
والظلّ على الحجرة
قبل وقوع القُبلة على الشفاه المُتنبّهة
والوجه العزيز على مرآة المفاجآت
قبل مصافحة الشمس لغرقها المجهول
والسواد لكفّ الأرض
حتى هذه اللحظة الفارقة بالذات
لم يكتب عنّي شاعر مجنون
قصيدة حبّ تضرم النار في عشب البحيرة.


* شاعرة من المغرب

دلالات
المساهمون