تقشّف شديد في المصارف اللبنانية بعد تدهور أرباحها

21 سبتمبر 2019
المصارف تعصر نفقاتها لتدارك أوضاعها (حسين بيضون/العربي الجديد)
+ الخط -

بِحَسرة
 يروي مسؤول في مصرف لبناني كبير لـ"العربي الجديد" كيف أوقفت إدارة البنك التوظيف تمامًا منذ بداية عام 2019 تقريبًا، حتى أنها قرّرت عدم قبول طلبات جديدة لملء أماكن شغَرت هذه السنة باستقالة موظفين وتقاعد آخرين.

لا تقتصر هذه الحالة على مصرف واحد، بل أصبحت نهجًا معتمدًا في القطاع المصرفي اللبناني بعد التراجع الكبير لأرباحها والانحسار المتواصل في استقطاب الودائع وحركة التسليف، إذ باتت البنوك بكافة أحجامها، تلجأ هذه الأيام إلى تدابير تقشفية مشدّدة، في محاولة لتخفيض نفقاتها والمحافظة على ميزانيّاتها في وضعية مقبولة.

لقد أظهرت البيانات المالية غير المدققة لمجموعة "مصارف ألفا" تراجعًا سنويًا نسبته 6.63% في أرباحها الصافية المجمّعة، والتي انخفضت إلى نحو مليار دولار فقط في النصف الأول من العام 2019، هبوطًا من 1.07 مليار دولار في الفترة ذاتها من العام السابق، حسبما أورد التقرير الاقتصادي الأسبوعي الصادر عن "بنك الاعتماد اللبناني" مساء الجمعة.
على أساس سنويّ، تكون الأرباح الصافية المحلية للمجموعة قد تراجعت 8.08% إلى 857.18 مليون دولار، علمًا أن "ألفا" تضم أكبر 16 مصرفًا لبنانيًا يُشترَط أن تتخطّى ودائعه مليارَي دولار أميركي.

وإذا كانت سياسة الحدّ من التوظيف إلى أقصى درجة ممكنة، سياسة إداريّة مقبولة، بل ضرورية، في أوقات الأزمات الاقتصادية والمالية، كالتي يعيشها لبنان الآن، فإن تدابير المصارف لترشيق نفقاتها تذهب إلى أبعد من ذلك بكثير.

أحد المصارف الكبرى المصنّفة "ألفا" اتخذ قرارًا قبل أشهر بفضّ عقد مع شركة خدمات، مستغنيًا عن حوالى 80 عاملًا في كافة فروعه مهمّتهم القيام بواجب الضيافة لزبائن البنك، ليوفّر نحو 770 مليون ليرة (نصف مليون دولار تقريبًا) سنويًا، على أساس أن راتب الواحد من هؤلاء العمّال يتجاوز 500 دولار (بين 750 و800 ألف ليرة) بقليل.

يُشار هنا، إلى أن سعر الصرف الرسمي المُحدّد من "مصرف لبنان" المركزي يبلغ 1507.5 ليرات سعرًا وسطًا، بينما يصل في السوق الموازية، أي عند الصرّافين، إلى 1580 ليرة، فيما شحّ السيولة الدولارية بلغ الآن مستويات لم يشهدها لبنان منذ مطلع تسعينيات القرن العشرين عقب انتهاء الحرب الأهلية التي دامت 15 عامًا.
عملية صرف أولئك العمّال، وغالبيتهم الساحقة من النساء، اضطُر بسببها المسؤولون عن خدمة الزبائن إلى القيام بواجب الضيافة بأنفسهم للعملاء الوافدين إليهم لإتمام معاملاتهم. يترك الموظف مكتبه ويصعد إلى الطابق الأول، حيث المطبخ، يُحضّر القهوة أو الشاي بماكينة اشتُريَت لهذا الغرض، ويقفل عائدًا لاستكمال الجلسة مع الزبون الصابر في الطابق الأرضي.

أكثر من ذلك، قرّر مصرف آخر من "مجموعة الكبار" عدم شراء أكواب بلاستيك وكرتون جديدة لتجنّب فاتورتها، ونفض الغبار عن أكواب كرتونية في مستودعه اشتراها سابقًا بكمّيات ضخمة وتبيّن أنها تعاني عيبًا تصنيعيًّا، فالسوائل تتسرّب من أسفل معظمها، ومع ذلك فضّلت الإدارة استعمالها حتى آخر كوب.

حتى "المحارم" (المناديل) لم تسلم من عصر النفقات، فهي تنفد أحيانًا يومين أو ثلاثة أو أكثر عند هذا الفرع أو ذاك، قبل شراء "محارم" جديدة
.
تأتي هذه التدابير التقشّفية في وقت يدفع فيه الاقتصاد اللبناني ثمنًا باهظًا للركود الاقتصادي والتوتّرات السياسية المحلية والإقليمية، فضلًا عن العقوبات الأميركية "المُختارة" على مصارف لبنانية، ما ينعكس بالتالي على حركة الأعمال العامّة في لبنان، ويُفقد القطاع المصرفي جزءًا مهمًّا من أرباحه، نتيجة تباطؤ نمو الودائع والتلاشي الواسع النطاق لنشاط الإقراض الفردي والمؤسّساتي.
المساهمون