باتت غزة في الأيام الأخيرة مسرحاً لحراك متسارع، هدفه الأساس الوصول إلى تفاهمات لوقف مسيرات العودة على الحدود الشرقية والشمالية للقطاع مع الأراضي المحتلة، أو على الأقل تغيير أسلوب هذه المسيرات، مقابل تحسينات حياتية بات مليونا فلسطيني يشعرون بها تدريجياً، كخطوة على ما يبدو لتخفيف حقيقي للحصار.
وقد تحسّنت الكهرباء في غزة، بفضل الكميات الكبيرة من السولار الصناعي التي بدأت تدخل القطاع بدعم قطري، مما أدى إلى استمرار ساعات الوصل لمدة تقارب 16 ساعة يومياً، بعدما كانت 4 ساعات فقط، ومعها تغيرت أمزجة الفلسطينيين المحاصرين منذ 12 عاماً.
وأُعلن كذلك عن مشروع لمساعدات مالية لأكثر من خمسين ألف أسرة فقيرة بدعم قطري ومشروع آخر للتوظيف المؤقت للخريجين العاطلين، إلى جانب دفعات مالية لموظفي حكومة غزة السابقة، في انتظار المنحة المالية القطرية للمدنيين من الموظفين والذين يقارب عددهم الـ20 ألفاً، ويتوقّع أن يبدأ صرفها في وقت قريب.
وتمكّنت مصر والأمم المتحدة وقطر أخيراً، كل بشكل منفرد، من الوصول إلى ما كان يريده الفلسطينيون الذين بدأوا في 30 مارس/آذار الماضي مسيرات حدودية لا تزال مستمرة، للضغط على الاحتلال الإسرائيلي من أجل إنهاء الحصار المفروض عليهم منذ فوز حركة "حماس" بالانتخابات التشريعية. وبات الشارع الفلسطيني في غزة في انتظار مزيد من التسهيلات الحياتية والمعيشية خلال الأيام المقبلة، بعدما وصلت الظروف الاقتصادية إلى حدّها الأسوأ منذ فرض الحصار، إضافة إلى العقوبات التي فرضتها السلطة الفلسطينية قبل عام ونصف العام والتي أوصلت القطاع إلى حافة الهاوية.
ومع الهدوء الذي تميّزت به المسيرات على الحدود الشرقية والشمالية، يومي الجمعة والاثنين الماضيين، فإنّ مزيداً من التسهيلات سيشعر بها الغزيّون، وفق أكثر من مسؤول فلسطيني. ومع هذا التطوّر، بدأت الاستخبارات المصرية بإعادة تحريك ملف المصالحة الفلسطينية، وفق مصادر تحدثت لـ"العربي الجديد"، مؤكّدةً أنّ مصر تتجهّز لإطلاق حوار جديد بين حركتي "حماس" و"فتح" للوصول إلى مذكرة تفاهم ثنائية يمكنها أنّ تشكّل ركيزة لإعادة تطبيق اتفاقيات المصالحة التي جرى توقيعها في السنوات الأخيرة.
إلى ذلك، أكّد الناطق باسم حركة "حماس"، حازم قاسم، لـ"العربي الجديد"، أنّ الانفراجة الحالية في غزة "واحدة من ثمار مسيرات العودة وكسر الحصار"، مشيراً إلى أنّ "الشعب الفلسطيني اتخذ قراراً جَمعِياً بأنه لا يمكنه أن يعيش تحت الحصار مزيداً من الوقت، وقرر أن يعيش على أرضه بحرية وكرامة، وهو يجني الآن ما زرع".
وتابع قاسم قائلاً إنّ "العيش بحرية وكرامة كان من ضمن مطالب وأهداف مسيرات الحدود، والشعب الفلسطيني ضحى كثيراً فيها، والمقاومة حمت ظهره، وقد أصرّ الفلسطينيون على أهدافهم وأجبروا الأطراف المختلفة على التدخّل، كما أجبروا الاحتلال على الانصياع لهذه المطالب". وسيضاف إلى جانب التسهيلات الحالية المزيد من الخطوات لكسر الحصار عن القطاع، وفق قاسم، الذي أشار إلى جهود الوسطاء الأمميين والمصريين والقطريين في هذا السياق.
وبالنسبة للناطق باسم "حماس"، فإنّ "الضامن لإلزام الاحتلال برفع الحصار واستمرار هذه الخطوات، هو إصرار الشعب الفلسطيني على هدفه بكسر الحصار، وما استمرار المسيرات إلا برهان على تمسّك الشعب بالعيش الكريم والحر والاستقلال والتحرر".
من جهته، أشار الكاتب والمحلل السياسي، تيسير محيسن، إلى أنّ "ما يجري حالياً من تحسينات وتسهيلات يندرج في إطار الجهد الذي بذلته مختلف الأطراف طوال الفترة الماضية، وهي خطوة ضمن مجموعة من الإنجازات التي قد تشهدها الفترة المقبلة".
وأوضح محيسن، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "هذه الإنجازات والانفراجات التي تمّ تحقيقها في هذه المرحلة تندرج في إطار الآمال الكبرى من أجل كسر الحصار وتحقيق النجاح، في ظلّ حالة التوافق الفصائلي الوطني والإجماع على صعيد مستوى قطاع غزة".
وبحسب الكاتب والمحلل السياسي، فإنّ ما تطلبه الفصائل والقوى في غزة "هو عبارة عن رزمة متكاملة تضمن إنهاء المعاناة بدرجة أولى، وتقود إلى إنهاء الحصار عبر مشاريع التشغيل وتنفيذ المشاريع المختلفة الأخرى، وضخّ الأموال للقطاع وحرية الحركة على المعابر البرية وإنشاء الممر البحري الذي تتمسّك الفصائل بضرورة تدشينه".
وبات من الواضح، بحسب محيسن، أنّ "القطاع يسير نحو طريق كسر الحصار وإنهائه، خصوصاً أن الوسيط المصري يحاول الوصول لتثبيت لوقف إطلاق النار لسنوات عدة، ولا يريد أن يفشل في إنجاز هذا الملف، وسيسعى لمراقبة التزام كلا الطرفين بتنفيذ الاتفاق".
غير أنّ محيسن الذي رأى أنّ "من الصعب الوثوق في طريقة إدارة الاحتلال الإسرائيلي للأمور مع الشعب الفلسطيني"، أشار في رده على سؤال حول ضمانات استمرار حالة التسهيلات والتحسينات، إلى أنّ "الحراك الجماهيري واستمراره هو من أدوات الضمان بيد الفصائل والقوى الوطنية في القطاع". وبيّن أنّ "هناك توافقا وإجماعا فصائليا على استمرار الحراك الجماهيري الخاص بمسيرات العودة على أن يتم تحديد الآلية التي سيستمر بها، إذ سيظلّ ورقة قوة بيد الفصائل حال اكتشفت أنه تم التغرير بها من قبل الاحتلال، فيجري تفعيلها بشكل أقوى في حينه".