تسكنُ أرضَ النار وتكتبُ لي

30 يوليو 2015
هي ذي أنا -امرأتكَ- تسكنُ أرضَ النار وتكتبُ لك(Getty)
+ الخط -
كلُّ شيءٍ ناقصٌ، الأرضُ ناقصةٌ، تلتهم أجسادنا لتستر عريها، الضمائر ناقصة، تبدأ الحرب من كلمةٍ أو نقطة حبر، والثورة ناقصة أيضاً -إذا شئت سمّها ثورة وهي ثورة بالتأكيد- سرقوها قبل أن تتعلم الكلام، الأصابع ناقصة، قطعوا عنها ماء النهر قبل أن تكتمل قصيدتي، الذكريات الناقصة صورة (فوتوغرافية) لقاماتِ الوحشةِ المستديرة في العيون، الأرواح ناقصة، بعد أن تحملها الطائرات بعيداً عن مفاتنِ الجزيرة وسحرها الكبير الأبيض!


الرسالة ناقصة نصفها مضغتهُ الشبكة والنصف الآخر نام في الطريق بين أصابعي ولوحة المفاتيح.

إذن تحية ناقصة وبعد:
أكتبُ إليك وأنا أتفتتُ واحترق مثل البلاد، تشبهني البلاد بالجراحِ والنواحِ والأرق، و أذوب كالشموع تماماً، الشموع التي كنتَ تقرأ على ضوئها قصائدك المائلة، أكتبُ إليك وأطفال قلبي -غاية في الهرم- يلعبون في شوارعِ الأحزان وحديقة النار، أكتبُ على أيّةِ غيمة أو شجرة أو دمعة ولابدّ أن تصل رسالتي إليك، لأحدثكَ، يا وجعي الدائم، بالتفاصيل والدموع وسريري المحشو بسكاكين الظلام والوحدة، بالذكريات والرصاص ونصف كأس الشاي الذي نسيت أن تقول له وداعاً -ونسي هو أن يبردَ في غيابك- لأحدثك عن روحي التي تعوي في شوارعِ الحنين الأصفر، قلبي الذي امّحت ملامحه من الأنين والليالي، دموعي التي سال تاريخها في الكتاب وغفلة الحب، لأحدثك.. لسنا بعدك آمنين.. لا أبداً لسنا.

ليتك تمرُّ ريحاً تهزُّ أغصان القلب اليابسة
ليتك تمرُّ غيمة تمطر جدران الروح المهدمة
ليتك تمرُّ على خرسِ العيون وخرائب الوجه ومدن الحياد كأغنية تناثرت أسنانها في جسدِ الليل، لتؤكد لملائكة الوحشة بطلان الآثم في غرفتي، لأحول أناشيدي المشطوبة من التراب إلى دروسٍ في الحب و أنسج خيوط الهواء و وبر الشمس معطفاً لغيبوبة الشتاء، أكتبُ إليك وجثتي أمامَ الله ووجه القمر الشاحب وأمامي، تتقلّب فوق تخت غيابك الحديدي، تلملمُ فُتات القبلة القديمة من ضحكِ البيت، تلاحق فاجعة الأسئلة إلى أقصاها.

كيف لك أيها الدمع أن تشعل حريقاً في ذاكرتي المشوّهة؟
كيف لك أيها القلب أن تخذل ساعة اليقين النائمة في عشب الفجر؟
كيف لك أيها الشاعر أن تهبط من السماء وتعطر المكان بدخانك؟
كيف؟ وهؤلاء أطفالك -يصرخون كالحنين- يلاحقهم الحزن وقوافل العطش في الطرقات، كيف؟ وقد تركتَ أغنام القلق ترعى بساتين أحلامنا، كيف؟ وامرأتك المهملة تحملُ قلبها خارج المسافة وتركض، لتفسركَ كما تشاء: الحلم المعلق وراء الباب، السحر القادم على جناحِ غيمة، الماء عاشقاً بيدٍ مبتورة، العشب خطى المحبين والمواعيد، مقبرة الذنوب، الحريق الصغير في ثيابي.

للندم أظافر معدنية تخمش جسد النسيان، الرحيل انحراف لسفينة الشمس، قافلة الحب على ظهرِ إبلِ الريح، معادلة القلب التي لم تكتبها، أفسرك الوطن ويغربلك الحنين، أفسرك الألم وأتكسّر.
أكتبُ إليكَ أيها النائم تحت أشجار القلب، يا فرحي الهارب، يا خلي وبياض جثتي، يا كسوة أعيادي المؤجلة، يا ذنبي الممدد على الفراش، يا طفلَ حزني أرضعتك حليب عيوني لقتلِ هذا الغياب.

أكتبُ ويسّاقط عليَّ الارتباك وغبار الموت وآيات الذكرى.. وحدك تركت ذئاب الروح تعوي على ما مضى من السنين، وحدك كالليل تطعن ذاكرتي في جثث الشهداء، وحدك، تكتب الكلمات على أرضٍ هشّة، ووحيداً تنام في مقابر الحنين.

هي ذي أنا -امرأتكَ- تسكنُ أرضَ النار وتكتبُ لك: لاتنسَ ياشاعري الذي تثيرُ حسدَ الآخرين، أنَّ نصفَ الكلام نام في المسافةِ بين الأصابع ولوحةِ المفاتيح!

(سورية)
المساهمون