استمع إلى الملخص
- **الضغوط النفسية والعصبية على الطواقم الطبية**: يواجه الأطباء ضغوطاً نفسية وعصبية كبيرة، ويضطرون للعمل في ظروف صعبة ونقاط طبية ميدانية، مما يزيد من الضغط النفسي عليهم.
- **نقص الأدوية والمعدات الطبية**: تحصل المراكز الصحية على أقل من 20% من احتياجاتها الطبية، مما يؤدي إلى تفاقم حالة الجرحى وسوء التغذية وتأخير التعافي.
أعلنت منظمة الصحة العالمية احتضار عدد كبير من المراكز الصحية في قطاع غزة بسبب عدم توفر الإمكانيات الأساسية اللازمة للعمل، إذ تعمل المراكز القليلة التي لم يستهدفها جيش الاحتلال في ظل ظروف كارثية، وبعضها لا تملك أدنى المستلزمات والأدوات، وتعاني نقصاً فادحاً في الأدوية، إضافة إلى عدم توفر العدد الكافي من الطواقم الطبية مقارنة بالأعداد الكبيرة من الجرحى والمرضى.
ولا يتجاوز عدد المراكز الصحية العاملة التابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا" في قطاع غزة عشرة مراكز من أصل 26 مركزاً كانت تعمل قبل بدء العدوان الإسرائيلي، في حين خرجت غالبية المراكز الصحية الحكومية عن الخدمة، ومن بين 68 مركزاً صحياً حكومياً ويعمل حالياً قرابة 10 فقط.
ورغم تمركز العديد من الطواقم في النقاط الطبية الميدانية بتلك المناطق لكنهم لا يملكون تلبية الضغوط المتزايدة، خصوصاً مع تكرار المجازر التي تخلف عشرات الجرحى يومياً، وتفاقم أوضاع كثير من الجرحى والمرضى بسبب عدم توفر الرعاية الطبية اللازمة أو الأدوية المناسبة.
لا تستطيع النقاط الطبية تلبية الضغوط الصحية المتزايدة في غزة
يتنقل الطبيب محمد السيد بين مركز صحي وثلاث نقاط طبية في مدينة دير البلح، ويؤكد أن المنظومة الصحية في قطاع غزة، سواء الحكومية أو التابعة لوكالة "أونروا" وغيرها من المنظمات الدولية "باتت على حافة الانهيار في ظل غياب آلية مستقلة لإدخال المعدات والمستلزمات الطبية والأدوية، كما نحتاج إلى دخول طواقم طبية مساندة كما كان يحصل قبل احتلال معبر رفح".
يضيف السيد لـ"العربي الجديد": "وزارة الصحة في غزة لديها قوائم بأسماء جميع المرضى والجرحى الذين يحتاجون إلى رعاية دورية مكثفة، لكنها لا تملك الإمكانيات اللازمة لرعايتهم في ظل تقلص أعداد المراكز الصحية على نحو خطير. نضطر كثيراً إلى علاج الجرحى على الأرض، خصوصاً في حالات الطوارئ التي تصل بعد كل قصف إسرائيلي، إذ يتوافد العديد من المصابين في الوقت نفسه. الخيام التي تحولت إلى نقاط طبية كان من المفترض أن تكون مؤقتة، لكن الواقع فرض استمرار عملها مع تكرار خروج المراكز الصحية عن الخدمة، وعدم قدرة المصابين على الذهاب إلى المراكز الصحية العاملة".
يتابع: "تتعرض الطواقم الطبية لضغط نفسي وعصبي يومي، وهم أيضاً فقدوا أفراداً من أسرهم مثل غيرهم من سكان غزة، لكنهم يواصلون العمل رغم أنه لا توجد أدوات أو معدات أو حتى مساحة كافية. كان قطاع غزة قبل السابع من أكتوبر في حاجة إلى مزيد من المستشفيات والمراكز الصحية للتعامل مع الزيادة السكانية، لكننا اليوم نعمل في نطاق محدود، وأوضاع خانقة".
وتحصل وكالة "أونروا" على كميات قليلة من الأدوية والمعدات الطبية التي تدخل بعد رقابة إسرائيلية مشددة من معبر كرم أبو سالم، وهي لا تقارن بالحاجة المتزايدة الناتجة عن أعداد الجرحى والمرضى الذين يحتاجون إلى العلاج. ويقول مصدر من الوكالة لـ"العربي الجديد": "تمت زيادة ساعات العمل بمراكزنا الصحية في جنوب ووسط قطاع غزة، لكنها ما زالت عاجزة عن تلبية الحاجة، فالطبيب الواحد يستقبل العديد من الجرحى والمرضى يومياً، كما أنه مسؤول عن متابعة حالات سبق له استقبالها".
وتحصل المراكز الصحية الحكومية على كميات محدودة للغاية من المعدات والأدوية عبر المنظمات الدولية. ويقول عضو لجنة الطوارئ الصحية في وزارة الصحة الطبيب صهيب الهمص، إن "ما تتلقاه المستشفيات والمراكز الصحية الحكومية يقل عن 20% ممّا تحتاج إليه لتغطية الاحتياجات الطبية المتزايدة".
وفي ظل عدم توفر مراكز صحية كافية لعلاج الجرحى والمرضى بعد تدمير الاحتلال الإسرائيلي غالبية المستشفيات الكبرى، خصوصاً في مدينة غزة، اضطر الكثير من أفراد الطواقم الطبية إلى العمل في مراكز صحية صغيرة، أو منشآت طبية ميدانية تقوم بمساندة المراكز الطبية الأكبر، حتى إن بعضهم لجأ إلى تحويل مخازن أو مستودعات إلى مراكز صحية، من بينها مركز صحي أقيم في غربي مدينة غزة.
تحصل المراكز الصحية في غزة على كميات محدودة من المعدات والأدوية
يقول الممرض إسلام أبو العطا لـ"العربي الجديد": "دمر الاحتلال جميع المراكز الصحية الحكومية في مدينة غزة، مثل مركز حي الرمال الصحي، وعيادة الصوراني في حي الشجاعية، ومركز شهداء الزيتون الصحي، وفي كثير من الأوقات كنا نضطر إلى معالجة الجرحى في الشارع. المستشفى العربي المعمداني يستقبل حالات الطوارئ، وهو مكتظ للغاية، وبعض الحالات تحتاج إلى ساعات للعلاج، والعديد من أفراد الطواقم الطبية ينهارون أثناء العمل، فنحن جائعون مثل بقية الأهالي، ونعمل في ظل ضغوط لا يمكن تخيلها، ولا نحصل على قدر مناسب من الراحة، كما لا يتوفر لدينا أدنى مقومات العلاج. نتحمل مشقة العمل، وأحياناً يحضر لنا الناس بعض الخبز كي نتمكن من المواصلة".
وقالت اللجنة الدولية للصليب الأحمر، مساء الخميس، إن المراكز الصحية في غزة "وصلت إلى نقطة الانهيار"، وإن المستشفى الميداني التابع لها في منطقة المواصي يشهد تدفق أعداد كبيرة متزايدة من الجرحى والمرضى، كما أن الطواقم تواصل المخاطرة بحياتها يومياً لتقديم الرعاية الطبية للنازحين.
وبداية من الشهر الثاني للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، أُنشئت عدد من النقاط الطبية داخل خيام بمناطق النزوح، يعمل فيها أطباء وممرضون، وأجريت فيها مئات العمليات الجراحية الصغرى، كما تقدم يومياً خدمات التغيير على الجروح، والإسعافات الأولية الطارئة، والاستشارات الطبية، وتتابع حالات العديد من المرضى، لكنها لا تعوض عمل المراكز الصحية.
ويؤكد طبيب أمراض المعدة والجهاز الهضمي، زيادة الرنتيسي، أن "عشر نقاط طبية بجميع طواقمها لا تقارن بمركز طبي واحد، والعمل في الخيام الطبية هو إجراء مرحلي مؤقت للتعامل مع حالات الطوارئ، وقد فرض علينا بسبب استهداف المراكز الطبية وتدميرها".
ويكرر مرضى وجرحى أن النقاط الطبية لا تقدم لهم الرعاية الكافية، ما يؤخر عملية التعافي، كما أن تكرار النزوح يعرضهم لمضاعفات صحية، ويفقدون خلالها أوراق التشخيص الطبي، ما يدفع الطواقم الطبية إلى إعادة التشخيص بالكامل.
يعاني الجريح رفعت عوض الله بشدة، وهو لم يتلق علاجاً متكاملاً منذ فترة طويلة، رغم أنه تردد على العديد من العيادات الطبية، إذ إنه ينزح نزوحاً متكرراً، وبلغ عدد مرات نزوحه أكثر من 10 مرات، وفي كل مرة كان يتوجه إلى العلاج في المركز الصحي القريب، ويضطر إلى الانتظار لساعات حتى يحصل على قليل من العلاج، لكنه خلال الشهرين الأخيرين، بات يتلقى العلاج في أحد الخيام التي تحولت إلى نقطة طبية في منطقة المواصي، لكنه لا يشعر بأي تحسن.
أصيب عوض الله (29 سنة) في ساقيه، وأجريت له 3 عمليات جراحية، أولها في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، في مجمع الشفاء الطبي قبل أن يخرج عن الخدمة، وعملية ثانية في مجمع ناصر الطبي، والثالثة في مستشفى شهداء الأقصى، وهو من بين المصابين الذين تتفاقم حالتهم الصحية في ظل عدم توفر الأدوية، ومحدودية الرعاية الصحية الدورية.
يقول رفعت لـ"العربي الجديد": "أنا واحد من بين آلاف الجرحى الذين يبحثون عن العلاج بشكلٍ يومي، وبعضنا أصبح يتمنى الموت للتخلص من الآلام. نعيش في خيمة بالية لا نستطيع التنفس فيها بسبب شدة الحرارة، ونذهب إلى خيمة أخرى تحولت إلى نقطة طبية، فنعيش فيها الشعور بالاختناق نفسه، ولا نحصل إلا على غيارات للجروح، وقليل من الأدوية التي لا تنفع، لكن ما باليد حيلة، ولا يمكننا لوم الطواقم الطبية".
يضيف: "المشكلة أن جروحي يفترض أن تتحسن بمرور الوقت، لكن وضعي الصحي يتدهور نتيجة ضعف الأدوية وعدم توفر الرعاية الصحية، إلى جانب سوء التغذية. لا أشعر بأي تحسن، وشدة الحرارة في كثير من الأوقات تؤدي إلى مزيد من التعرق، ما يزيد من التهاب الجروح. أنا نموذج للمئات في المنطقة التي أقيم بها، وجميعنا نعيش المعاناة نفسها، وبعضنا مصابون منذ بداية الحرب، ولم تشهد حالاتهم أي تحسن".