ترميم بالكاميرا لحمّامات تونس

14 سبتمبر 2014
جاك بيون/ فرنسا
+ الخط -

تقول شهرزاد في الليلة 449 من كتاب "ألف ليلة وليلة" إن المدينة لن تصبح مثاليةً إلا في اليوم الذي يجري فيه تشييد حمام فيها وتجهيزه. الحمّامات التي كانت دليلاً على التحضر والتمدن، تتخطى وظيفتها لدى بعض الكتّاب والفنانين وظيفة النظافة والصحة، لتكون معبراً أساسياً لتصيّد المعنى والقبض على اللحظة الشعرية. ونتذكر هنا تلك القصة الطريفة الغامضة عن اغتسال الشاعر العباسي أبي تمّام في بيت مصهرَج، وتمضيته وقتاً طويلاً فيه، وكأنه يبحث عن وحي.

من هذه الخلفية، تأتي أهمية معرض "نظرات ملقاة ـ حمامات مدينة تونس" الذي يستمر حتى نهاية تشرين الأول/ أكتوبر المقبل، ويشارك فيه 19 مصوّراً من تونس وبلدان أوروبية مختلفة، من بينهم صوفي بركات، حميد الدين بوعلي، ماريان كاتزاراس، ناس شيخ علي، أرنالدو جانبريني، ماكس جاكوت.

المعرض الذي يستضيفه "قصر خير الدين" التاريخي، وتنظمه عدة جمعيات ومنظمات ثقافية محلية وأوروبية، يأتي تلبية لما استخلصته دراسة ميدانية من خطر اندثار الحمامات وإغلاقها في مدينة تونس القديمة وضواحيها. وشملت الدراسة خمسين حماماً يعود بناء معظمها إلى القرن التاسع عشر، لم يبق منها اليوم سوى ستة وعشرين.

تقول المستشارة الفنية للمعرض، ألفة الفقيه، في حديث إلى "العربي الجديد" إنه جرى تقسيم هذه الحمامات على المصوّرين وفتح الباب أمامهم لالتقاط ما يرغبون من الصور؛ فاتسعت مواضيع أعمالهم لتتجاوز ما هو أبعد من العمارة وأماكن الاستحمام، وتشمل ملحقات الحمامات ومعداتها وبعض عوالم المهن التي تُمارس داخلها، مثل "الطيّاب" الذي يعين المستحمّين، و"الفرانقي" الذي يتولى إشعال النار في بيت التسخين على الطريقة التقليدية، مستخدماً الحطب أو المحروقات.

هكذا، وجد المصورون أنفسهم وجهاً لوجه مع أماكن تاريخية وتفاصيل خفية من عوالم المدينة، تطفح بالبخار ويعلو فيها صوت تدفّق الماء. وفي الوقت الذي تفقد فيه الحمامات دورها اليومي التاريخي، متحوّلة إلى معالم أثرية وتراثية، بات دور العدسة أشبه ما يكون بالمرمّم الذي عليه أن يستعيد ويرقّع ما ضاع من هذه المباني المتهالكة من زمانها الجميل.

تهيمن لعبة الضوء والعتمة على غالبية الأعمال المعروضة؛ إذ تتخلل صالات الاستحمام منافذ وكوى صغيرة تدخل منها أشعة الشمس أو نور التيار الكهربائي. وفضلاً عن عنصر الانكسار الضوئي على الجدران والبلاط، تشارك عدد من المصوريين في التركيز على تأكسُد مواد البناء، وعلى الطفيليات في شقوق حجارتها. هنا يبرز توظيف الألوان، خصوصاً الأخضر الطحلبي المنتشر على الجدران الجيرية البيضاء، والماثل في عدة صور، مثل صور أرنالدو جانتريني.

أما حميد الدين بوعلي، فيحاول استثمار اللون الأزرق المبهر ليوحي بأن "فوتونات" الضوء تتحول إلى بخاخ شفيف يدخل من الكوة ليلطّف سخونة الحمام. من جهته، يسلط هشام إدريس عدسته على بذاخة أثاث الحمام، ولا تتكثف في أعماله الأضواء بل تزدحم تدرّجات اللون الأبيض الموحية برفعة المكان واعتناء مالكيه به وبمحتوياته.

من جهتها، تقارب ناس شيخ علي جانباً طريفاً من الموضوع، هو تجمّل النسوة وحركة سيقانهن في حجرة الاسترخاء إثرعملية الاغتسال. في المقابل، تعمد صوفية بركات إلى الاكتفاء باللونين الأسود والأبيض لتُظهر جمالية حمام "الدولاتلي"، مع الاهتمام بالأثاث التقليدي فيه.

ترافق الصور المعروضة نصوصٌ كتبها المصورّون ليدعموا بها أعمالهم ويفسّروا مسعاهم. أما الطريف في المعرض فهو توزيع منظميه الملفات الصحافية على الإعلاميين في "كاسة الحمام"، كما يسمّى في تونس القفاز الذي يضعه المستحم في يديه لكي ينظف جسده.

المساهمون