لا زالت تركيا المعبر الرئيس لقوافل اللاجئين السوريين الذين يتجهون نحو أوروبا، وعلى الرغم من أنها تُعتبر البلد الأبرز بين دول المنطقة في استقبال ومساعدة اللاجئين بشكل عام، إلا أن هناك الكثير من الصعوبات التي تجعل منها بلد عبور أكثر من كونها بلد استقرار للعديد من السوريين، ويأتي على رأسها الوضعية القانونية للاجئين، وأيضاً تغير المزاج التركي العام نحوهم، في ظل حالة اللاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي التي تعيشها تركيا أخيراً، مما يدفع اللاجئين للبحث عن مكان أكثر أمناً لهم ولأبنائهم.
وبحسب المفوضية العليا للاجئين، فقد احتلت تركيا، العام الماضي، المرتبة الثالثة عالمياً في تلقّي طلبات اللجوء بعد كل من ألمانيا والولايات المتحدة الأميركية. إذ وصلت طلبات اللجوء التي تلقتها أنقرة إلى 87 ألفاً و800 طلب، جلها من العراقيين، مع الإشارة إلى أن هذا الرقم لا يشمل مليوناً وسبعمئة ألف لاجئ سوري، لأنهم مسجلون كلاجئين مؤقتين.
وتركيا من البلدان الموقّعة على معاهدة جنيف الخاصة بوضع اللاجئين لعام 1951، وبروتوكولها لعام 1967، لكن أنقرة وقّعت على المعاهدة واضعة قيداً جغرافياً يحدد اللاجئين بأولئك القادمين من أوروبا. ولا يكون البلد أوروبياً إلا إذا كان عضواً في مجلس أوروبا، وهكذا فإن الأفراد القادمين من أوروبا يمثّلون الصنف الأول من طالبي اللجوء في تركيا، ويُقدر عددهم بـ35 ألف لاجئ تقريباً، ويضاف إلى ذلك سماح القانون التركي بتوطين اللاجئين المتحدرين من أصول وثقافة تركية، كما يتم التعامل مع لاجئي أقلية الأويغور التركية الفارين من الصين.
وتوضح المحامية دويغو بيرقدار، لـ"العربي الجديد"، أن القادمين من خارج أوروبا وغير المتحدرين من أصول تركية، يُمنحون الحماية المؤقتة، ويجري تسجيلهم عند وزارة الداخلية التركية وعند المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة، في انتظار إعادة توطينهم في بلد ثالث. ويراوح متوسط زمن الانتظار بين عامين و9 أعوام، مما يدفعهم للهرب إلى أوروبا بطرق غير شرعية إذا امتلكوا المال. وبلغ عدد اللاجئين تحت هذا البند لغاية مارس/آذار 2014 نحو 100 ألف لاجئ، 41 في المائة منهم من العراق، و21 في المائة من أفغانستان، و19 في المائة من إيران.
وتشير بيرقدار إلى أن أنقرة عانت من تخبط واضح في سنّ قوانين وسياسات واضحة للتعامل مع اللاجئين السوريين، قائلة: "منذ بداية وصول السوريين إلى تركيا في 2011، اعترفت الحكومة التركية بهم كتدفق جماعي للاجئين (وليس كمجرد لاجئين أفراد)، ووضعت نظاماً خاصاً بهم، تحت بند ضيوف الحكومة التركية، لكن مع طول أمد الصراع منحت الحكومة التركية اللاجئين السوريين حق الحماية المؤقتة، الذي يضمن لهم حق تلقي العناية الصحية والتعليم فقط، من دون القدرة على الحصول على إذن العمل، أو القدرة على التوجّه للمفوضية العليا للاجئين للتقدّم بطلبات اللجوء، بانتظار إعادة التوطين، أو تلقي المساعدة المالية من المفوضية".
اقرأ أيضاً: تراجيديا اللاجئين والمنطقة التركية الآمنة: أنقرة تطلب خرائط للمخيّمات
وتؤكد الحكومة التركية أنها أنفقت على اللاجئين السوريين حتى الآن ما يقارب 6 مليارات دولار، لم تتجاوز مساهمة المساعدات الدولية فيها 3 في المئة. وبحسب إحصاءات إدارة الكوارث والطوارئ التركية (أفاد)، تضم تركيا 25 مخيماً للاجئين السوريين على طول الحدود السورية، وعلى الرغم من كون المخيمات تُقدّم خدمات تُعتبر الأفضل بشهادة رئيسة برنامج التنمية التابع للأمم المتحدة هيلين كلارك، إلا أن أعداد السوريين المقيمين فيها لا تتجاوز 220 ألف سوري، مما يشكل 15 في المئة فقط من عدد السوريين في تركيا، بينما يتوزع 85 في المئة الآخرين على مختلف المدن التركية. وبحسب "أفاد" أيضاً، فإن 25 في المئة من هؤلاء يعيشون في أماكن مهجورة أو أماكن غير صالحة للبشر.
وتراجعت الحكومة التركية عن فكرة منح إذن عمل رسمي للسوريين، وذلك بعد ما أثار هذا الأمر من غضب لدى بعض الأطراف في تركيا، لكنها لا زالت تغض النظر عن الأعداد الهائلة من السوريين الذين يعملون في مختلف الشركات والمعامل التركية. وتُعتبر الخدمات الصحية والتعليمية المجانية، وخصوصاً الجامعية، من أهم ما تُقدّمه أنقرة مقارنة بدول الجوار. وبحسب مستشار وزير الصحة أيوب كوموش، فإن أنقرة قدّمت للسوريين 6.5 ملايين خدمة عيادية، إضافة إلى أربعين ألف حالة ولادة، وأكثر من 200 ألف عمل جراحي.
وأدى حزب "العدالة والتنمية" في تركيا، منذ اندلاع الثورة السورية ومع قدوم أوائل اللاجئين من بلدة جسر الشغور عام 2011، دوراً كبيراً في قيادة الرأي العام التركي للتعاطف وتقديم المساعدات للسوريين، لتتولى منظمات المجتمع المدني التركية والمنظمات الإغاثية مهمة تقديم المساعدات للسوريين داخل سورية وفي تركيا، وأيضاً داخل المخيمات وخارجها.
وساهم التعاطف الذي أبدته طبقات واسعة من المجتمع التركي في تسهيل حياة اللاجئين السوريين، إلا أن ذلك بدأ يواجه صعوبات شديدة مع طول مدة الأزمة السورية، وبالذات في الولايات الحدودية. فتواجد السوريين الباحثين عن العمل بكثرة دفعهم للقبول بمرتبات قليلة مقارنة مع ما كان يتلقاه المواطن التركي، مما أدى إلى خفض الأجور، مترافقاً مع ارتفاع إيجار المنازل بسبب ازدياد الطلب، في ظل استمرار الحكومة التركية بالتعامل مع الأزمة على أنها مؤقتة. هذه الأسباب بدّلت النظرة الإيجابية تجاه اللاجئين عند شريحة واسعة من الأتراك، حتى أن بعض أحزاب المعارضة كحزب "الشعب الجمهوري" (أكبر أحزاب المعارضة) وحزب "الحركة القومية" (يميني متطرف)، حاولت استخدام ذلك بجعل الهجوم على السوريين جزءاً من حملاتها الانتخابية، لجذب المزيد من الأصوات، الأمر الذي يؤكده أيهان كايا، أستاذ العلوم الاجتماعية في جامعة بيلغي في إسطنبول.
ويقول كايا: "لا يمكن لأحد أن ينكر أن هؤلاء اللاجئين يهربون من تركيا أيضاً، أنا أعرف بأن تركيا فعلت الكثير، لكن بنظرة بسيطة إلى الجو العام، يمكن أن يرى المرء نظرات الكراهية والعنصرية والخوف من الأجانب تجاه اللاجئين، إذ يجري تحميلهم تبعات المشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي تعج بها البلاد، لأنهم الحلقة الأضعف"، مضيفاً: "كما أن حالة اللاستقرار السياسي والاقتصادي وعودة الاشتباكات مع حزب العمال الكردستاني، كان لها دور كبير في دفع اللاجئين للبحث عن مكان أكثر أمناً".
من جهة أخرى، يبدو أن تركيا بعد أن أغلقت بوابتها الحدودية بوجه القادمين من سورية وشددت التدابير الأمنية على الحدود السورية التركية، إثر إعلان الحرب على تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، بدأت بالتخلي عن التشديدات الأمنية تجاه تسلل السوريين نحو أوروبا، وباتت تتبنى سياسة الأبواب المفتوحة لكن نحو أوروبا، عبر غض الطرف عن رحلات القوارب تجاه الجزر اليونانية، الأمر الذي تؤكده الإحصائيات، إذ بعدما وصل إلى اليونان عبر تركيا 46 ألف لاجئ خلال العام 2014، ارتفع هذا الرقم خلال الأشهر الثمانية الأولى فقط من العام الحالي إلى نحو 200 ألف لاجئ.
ويقول الصحفي أحمد قيليج، أحد اللاجئين السوريين، لـ"العربي الجديد": "عندما غرق قاربنا، وجاء خفر السواحل التركي لإنقاذنا، أخبرني الضابط التركي بأنهم كانوا يعرفون بوجودنا على الشاطئ، لكنهم لم يقوموا بمنعنا، لأنهم متعاطفون معنا".
وتعرف أنقرة بأنه مهما ارتفعت أرقام اللاجئين الهاربين نحو أوروبا، فلن تستطيع أي من الدول الأوروبية لومها على ذلك وهي التي تستضيف نحو مليوني لاجئ، لكنها في الوقت ذاته تدرك تماماً، أن هذه الأزمة تُعتبر دعاية جيدة لما احتملته خلال السنوات الأربع الماضية، وستكون وسيلة لجلب المزيد من الدعم للتدخل في سورية وإنهاء مأساة اللاجئين، وأيضاً ورقة ضغط على الاتحاد الأوروبي لحل الأزمات العالقة بين الطرفين.
اقرأ أيضاً: جدران تركية أمام السوريين... وشروط تعجيزية للإقامة