تركيا تطارد التحالف المصري الإماراتي في البحر الأحمر

13 سبتمبر 2018
أردوغان خلال استقباله البشير في أنقرة في يوليو الماضي(الأناضول)
+ الخط -
لم يكد يجفّ حبر الاتفاقات التي وقّعها عدد من الوزراء السودانيين مع نظرائهم في مصر، ضمن اجتماعات اللجنة الوزارية المشتركة التي عُقدت في القاهرة الشهر الماضي، والتي كان من بينها التصديق على منْح الخرطوم القاهرةَ مليونَي متر مربع لإقامة منطقة صناعية بالقرب من العاصمة الخرطوم، حتى فاجأ السودان، مصر بخطوة من شأنها إثارة حساسية الجانب المصري قبل انعقاد اللجنة العليا على مستوى رئيسي البلدين في أكتوبر/تشرين الأوّل المقبل. وتمثّلت هذه الخطوة بتوقيع تركيا والسودان، الإثنين الماضي، اتفاقيتين لتعزيز التعاون بينهما في مجالي النفط والزراعة، وذلك وسط مراسم رسمية أقيمت في السفارة التركية بالخرطوم.

وأبرمت الاتفاق الأوّل شركة "بترول تركيا" الحكومية، ووزارة النفط السودانية لتطوير الحقول، بهدف فتح الطريق أمام الاستثمارات التركية في السودان، فيما تمّ توقيع الاتفاق الثاني بين المديرية العامة للإدارات الزراعية التابعة لوزارة الزراعة والغابات التركية، ووزارة الزراعة والغابات السودانية. وينصّ الاتفاق الأخير على تحديد إحداثيات الأراضي الزراعية التي ستخصّص لتركيا، وتسهيل عبور المعدّات والأجهزة الزراعية التركية من الجمارك، ليبدأ بعدها رجال الأعمال الأتراك باستثماراتهم في السودان.

وقال وزير الزراعة والغابات التركي، بكر باكدميرلي، إنّ المرحلة الأولى من الاتفاق الأول، ستشهد تدفّق استثمارات تركية إلى السودان ستصل قيمتها إلى 100 مليون دولار أميركي، مؤكداً أنّ بلاده تسلّمت إحداثيات أراضٍ زراعية تبلغ مساحتها 780 ألفاً و500 هكتار، تسهم في توفير الأمن الغذائي لتركيا والسودان وبلدان أخرى.

وتأتي الاتفاقات الجديدة بين الخرطوم وأنقرة بشأن استثمارات تركية على الأراضي السودانية، ضمن حلقات التنافس الإقليمي بين تركيا والإمارات، تارة بشكل مباشر، وتارة أخرى عبر الحليف المصري، للسيطرة على منطقة البحر الأحمر والقرن الأفريقي.

ويأتي هذا في وقت قالت مصادر دبلوماسية سودانية، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الاتفاقيات الجديدة الموقّعة مع الجانب التركي تأتي تأكيداً للعلاقات المتميزة بين الجانبين، ولا تستهدف استفزاز أو إثارة أطراف إقليمية"، مشددةً على أنّ "السودان يرحّب بالاستثمار الأجنبي، وهناك توجّه حكومي كبير نحوه عبر تقديم التسهيلات". وأوضحت المصادر أنّ "السودان لا يفكر سوى في مصلحة شعبه ومواطنيه، ونسعى دائماً إلى تحسين مستوى معيشة المواطن السوداني وتأمين مصالحه، من دون النظر إلى التشابكات الإقليمية".

وحول ما إذا كانت الاتفاقيات الجديدة تأتي كتدارك تركي للاتفاقيات الموقعة أخيراً بين السودان ومصر، قالت المصادر: "نؤكّد دائماً أنّ هذه الصراعات الإقليمية لا تعنينا، ولكن ما يعنينا هو مصالح بلادنا أينما وُجدت، من دون الدخول في صراعات"، مؤكدةً أنّ "السودان يفتح أبوابه للجميع".

وفي ما إذا كانت تلك الخطوة قد تثير غضب الجانب المصري، في ظلّ التحسّن في العلاقات بين الجانبين، قالت المصادر: "هذا أمر سوداني خالص متعلّق بالسيادة على أراضينا، وأي حديث بشأنه يعدّ تدخلاً في شؤون داخلية، خصوصاً أنّها استثمارات اقتصادية خالصة ليست لها علاقة باتفاقيات عسكرية تمسّ المنطقة".


وكانت مصادر سودانية قد كشفت لـ"العربي الجديد" عن أنّ الخرطوم صادقت على منْح مصر مليونَي متر مربّع تحت مسمى إنشاء منطقة صناعية، على النيل، بالقرب من العاصمة الخرطوم، موضحةً أنّ تلك الخطوة "تأتي ضمن مجموعة خطوات أخرى تشمل استثمارات اقتصادية لها أبعاد سياسية في منطقة البحر الأحمر".

وقالت المصادر إن إحدى النقاط التي تسبّبت في تأجيج الخلافات وتوتُّر العلاقات بين البلدين في وقت سابق، هي "اعتراض مصر الحاد على الاتفاقيات التي وقّعتها السودان مع تركيا في وقت سابق، والتي كان من بينها اتفاقية تسمح لأنقرة بالوجود في جزيرة سواكن المطلة على البحر الأحمر". وأوضحت المصادر أنّ القاهرة وقتها أبدت اعتراضاً كان هو الأول من نوعه؛ إذ لوّحت بعمل عسكري في البحر الأحمر، مبررةً ذلك بأن "الخرطوم تضع القاهرة وسط حصار النفوذ التركي، من جهة الجنوب في السودان، إضافة إلى المخاوف المصرية من النفوذ التركي في ليبيا على الحدود الغربية المصرية". وأشارت المصادر إلى أنّ صيغة الوجود الاقتصادي المصري في السودان عبْر مناطق صناعية أو استثمارات على ساحل البحر الأحمر، أسهمت في تهدئة القاهرة، التي باتت لا تمثّل نفسها فقط في تلك المرحلة. وحول كيفية وجود القاهرة عبر استثمارات اقتصادية كبرى في وقتٍ تعاني من أوضاع اقتصادية قاسية، أشارت المصادر إلى أنّ "هناك معادلة مصرية خليجية، ضمن إدارة الخرطوم علاقاتها الإقليمية، وفي ظلّ علاقات جيّدة بين السودان والسعودية".

من جهة أخرى، قالت مصادر مصرية إنّ التحرّك المصري نحو منطقة البحر الأحمر والقرن الأفريقي في الوقت الراهن، يأخذ طابع "الوكالة" للإمارات التي ترتبط بعلاقات وطيدة مع النظام المصري حالياً، إذ تموّل أبو ظبي الكثير من الأنشطة التي تهدف إلى تقوية نفوذها في منطقة البحر الأحمر والقرن الأفريقي، لافتة في الوقت ذاته إلى أنّ "القاهرة تقوم في الوقت الراهن بدور رأس الحربة في التوجّه الإماراتي نحو السودان، إلى حين استدراجه تدريجياً، لإنهاء النفوذ التركي – القطري في تلك المنطقة".

واتفقت مصر والسودان مطلع الشهر الجاري على التنسيق في ما بينهما بما يتصلّ بالبحر الأحمر، ضمن الاتفاقيات التي جرت مناقشتها خلال اجتماعات اللجنة الوزارية المشتركة التي اجتمعت في القاهرة بمشاركة وزراء من البلدين. وقال مشروع بيان 2018 للجنة الوزارية المصرية السودانية التحضيرية للجنة العليا المشتركة، المقرّر عقدها في الخرطوم في أكتوبر/تشرين الأول المقبل، إنّ "الجانبين أكدا أهمية التنسيق بينهما بشأن البحر الأحمر كممرّ مائي غاية في الأهمية، سواء في اجتماعات الدول المشاطئة للبحر الأحمر، أو في أي محافل أخرى في هذا الشأن".

ويأتي ذلك وسط مساعٍ إماراتية للسيطرة على منطقة البحر الأحمر والوجود المكثّف بها، حيث قامت أبو ظبي بتعزيز أنشطتها الاقتصادية في حوض البحر الأحمر، عبر ذراعها "شركة موانئ دبي العالمية"، المملوكة لحكومة دبي، والتي فازت بامتياز مدته 20 عاماً لتشغيل ميناء جيبوتي عام 2000. كما تسيطر الشركة أيضاً على إدارة وتشغيل وتنمية ميناء العين السخنة، الأمر الذي يعدّ جوهرياً، لكونه أقرب ميناء إلى العاصمة المصرية القاهرة.

وفي العام الماضي، وقّعت الشركة اتفاقية مع هيئة قناة السويس لإنشاء شركة ستقوم بتطوير منطقة مساحتها 95 كيلومتراً مربعاً في منطقة العين السخنة.

وفي المملكة العربية السعودية، تدير موانئ دبي العالمية محطة الحاويات الجنوبية في ميناء جدة الإسلامي. وفي عام 2017، فازت بعقد لتطوير الميناء بأكمله، دعماً للرؤية السعودية 2030، والمشروع الضخم الذي تبلغ تكلفته 500 مليار دولار.