ترامب والحرب على إيران

01 يونيو 2019
+ الخط -
على الرغم ممّا يُطلقه الرئيس الأميركي دونالد ترامب مِن تصريحات متضاربة تجاه إيران، وعلى الرغم مما يصدر عن المسؤولين بإدارته من قول ونقيضه، ومن تهديدات حربية تارة، ومهدئات تارة أخرى، فإن الواضح، حتى اللحظة على الأقل، أنّ ترامب لن يشن أيّة حرب شاملة على إيران، وسيكتفي بحركات استفزازية يبقي معها المشهد في المنطقة ساخنا بوجه إيران، وابتزازيا بوجه حلفاء واشنطن في الخليج. ليس لأنه لا يريد تدمير إيران، ولا لأنه يعلم الخسائر البشرية والمادية الباهظة التي سيتحملها الجيش الأميركي، ولكن لأنه يريد أن يظل يتخذ من إيران بعبعاً يبرر له حلب البقرة السعودية المُدرة.
وهناك أيضا عدة عوامل تحدّ من قرار ترامب، وهي: ــ خشيته من تضرر مصالح بلاده النفطية، ولا سيما أن إيران تتوعد بردٍ قاسٍ يطاول كل ما تصل إليه صواريخها وغواصاتها وطيرانها وضفادعها البشرية من آبار نفط ومدن ثرية وقواعد عسكرية، فهو رجُل البزنس المعروف بجشعه على المال، وهلعه على ضياعه وفقدان مصادره. ــ استحالة تشكيل تحالف دولي واسع تجاه طهران، كما حدث ضد العراق، وكما شاهدنا في عملية تحرير الكويت. ــ عودة روسيا بقوة إلى الساحة الدولية، وتمكنها إلى حد كبير من إنهاء سياسة القطب الدولي الواحد وإحداث توازن دولي متنام. ــ تماسك الجبهة الداخلية الإيرانية بشكل صلب، على الأقل قياسا بالجبهة الداخلية العراقية، بعدما كانت أميركا قد لعبت على أوتار التناقضات والاختلافات السياسية والطائفية والقومية العراقية، وهي لن تجد ذلك في إيران، أو لنقل لن تجده بالحجم نفسه الذي كان في العراق، بحكم التجانس الداخلي الإيراني النسبي، وضعف المعارضة الداخلية والخارجية لنظام الحكم، على الرغم مما تتعرض له من حصار اقتصادي وسياسي خانق، ومن تسخير للمال الخليجي بسخاء لخدمة الإدارة الترامبية بذريعة محاربة الخطر الإيراني. ــ صعوبة الجغرافيا الإيرانية وتضاريسها المتعددة. فحتى وإن تمكنت القوات الأميركية من الأراضي الإيرانية، فإن بقاءها أياما سيكون من الصعوبة بمكان، بل من المستحيل حدوثه، علاوة على العقيدة القتالية الجامحة التي يتمتع بها الجيش الإيراني (الحرس الثوري)، وعموم الشعب الإيراني المؤدلج عقائدياً ضد الغطرسة الأميركية. وهذا بحد ذاته كفيل بردع أي محاولة أميركية لحرب شاملة، فالتجربة الأميركية المريرة في العراق ماثلة أمام أعين الأميركيين، على الرغم من تناسب الأرض العراقية المستوية مع السلاح الأميركي. ــ وجود أذرع إيران في المنطقة، والتي تشكل مصدر رعب لواشنطن ولحليفتها اللصيقة إسرائيل على السواء، وخصوصاً أن هذه الأذرع قد اقتربت بشدة من تخوم إسرائيل، وقويَ عودها بالعراق واليمن وغيرها من المناطق.
على الرغم من ذلك، واشنطن في عهد ترامب لن تقدم على حربٍ شاملة مع إيران، طالما أن الأموال الخليجية تنساب بسلاسة إلى الخزانة الأميركية كهبات وصفقات أسلحة وأموال حماية مزعومة واستثمارات مفترضة، وغيرها من مسارب الأموال التي تصبُّ بغزارة في البنوك الأميركية، فالبعبع الإيراني الذي تسوق له أميركا الترامبية ببازار الاستنزاف الخليجي، هو في نظر ترامب بمثابة دجاجة تبيض له ولبلاده ولإمبراطوريتها المالية ذهباً.
طالما أنّ الخطر الإيراني المزعوم على الخليج ظل هو المحفز للمضخة المالية الخليجية التي تسكب مالها بالخزانة الأميركية، فإن ترامب وإدارته لن يغلقوها، إلى أن تفقد زخمها وسخاءها، لتبحث بعد ذلك عن بعبع ومحفّز حليب آخر، فمن البعبع الشيوعي إلى البعبع الشيعي، وبينهما خطر الإرهاب القاعدي والداعشي الذي هو بالأصل صنيعة واشنطن والخليج، ظلت أميركا تحلب البقرة الخليجية بجشع وحقارة، وأصحابها يمسكون بكل إخلاص بقرنيها.
133EF6E4-0FC6-4FFC-99A3-7AB6251C802D
133EF6E4-0FC6-4FFC-99A3-7AB6251C802D
صلاح السقلدي (اليمن)
صلاح السقلدي (اليمن)