05 يوليو 2019
السعودية وجنوب اليمن
صلاح السقلدي (اليمن)
لا نعلمُ ماذا تبقّــى لدى العربية السعودية مِــنْ دليلٍ وبرهان لم تعلنه لتثبتْ بهِ لجنوبيِّ اليمن بأنها لا تأبه بهم ولا تكترث بتطلعاتهم، وبأنّها لا ترى فيهم أكثر مِـنْ أداة طيعة تحقق من خلالهم مصالحها وتظفر بأطماعها، وبندقية أجيرة تنوب عنها بحربها في اليمن. أو في أحسن الأحوال، ترى فيهم لصقة جروح تضمّد بها جرحها النازف باليمن.
لا نتحدث هنا عن الموقف السعودي تجاه الجنوب اليوم فقط، بل منذ عشرات السنين، فحرب 1994م التي راهنَ بها الجنوبيون على الموقف السعودي لتشدّ مِــن عضدهم وتنصرهم في ساعة العُسرة تلك، إلّا أنّها خذلتهم كالمعتاد، وهذا خير دليل على السياسة السعودية، وذلك رغم أن الرياض في الأصل لم تعطهم صراحة وعدا بتبني مشروعهم. فهي بالأصل لم تكن تريد من الحرب إلا تركيع صالح ومعاقبته بيد جنوبية لموقفه المنحاز للرئيس العراقي الراحل صدام حسين إبّان حرب الخليج الثانية، وانتقاما وعقابا للجنوبيين أنفسهم بأثر رجعي لخصومتها الدفينة من نظام عدن اليساري التحرري بالسنين الخوالي.
ولمّا قضت منهم في تلك الحرب (أقصد حرب 94) وطرها، سرعان ما أدارتْ لهم ظهر المجن كما هو ديدنها في مواقف كهذه، وتخلت عنهم تماماً حين طفقت تعيد ترميم علاقتها مع نظام علي عبدالله صالح لتنتزع منه هو الآخر في غفلة من الزمن موافقته البائسة على توقيع معاهدة ترسيم الحدود بين البلدين عام 2000، وتخليه عن جزء كبير من أرض ظلّت اليمن تدعي ملكيتها (عسير، جيزان، نجران)، وهذا التوقيع ظل بالنسبة للمملكة حــلما بعيد المنال حتى تلك اللحظة. ونظير ذلك المكسب التاريخي لم تجد السعودية غضاضة بأن تقايض صالح بوقف مساعداتها المالية "الفتات" التي كانت تمنحها للقيادات الجنوبية.
ليس هذا فحسب، بل سلّــمتْ معظم تلك القيادات بشكل مباشر أو غير مباشر لجلاديهم في صنعاء في واحدة من أبشع صور المقايضة، وأنصع معاني السقوط الأخلاقي والإنساني بتاريخ الدبلوماسية المعاصرة، مع أنّها رفضتْ استقبال كثير من تلك القيادات على أراضيها ونبذتهم بالأصقاع، مكتفية بإرسال فتاتها المالي لهم نهاية كل شهر. وهذه الحقيقة هي ما أدركها في الوقت الضائع الرئيس الجنوبي المهزوم علي سالم البيض، حين رفض اللجوء إلى الرياض، وظل بعيدا عنها، والخيبة المريرة تتملكه حتى الوجع، قبل أن يكرر مؤخرا، رهانه الخاسر على ذات الحصان السعودي الأعرج حين زار الرياض غداة هذه الحرب في إبريل/ نيسان 2015، قبل أن يكتشف الخديعة مرة أخرى، وغادر على إثرها سريعا إلى أبوظبي، لعل وعسى، أن يجد بهذه الأخيرة ما يطيّب خاطره فيها، وما زال هناك حتى اللحظة.
واليوم تعيد السعودية الكَــرّة ثانية، وهي مطمئنة البال لسذاجة هؤلاء القوم الذين لم يتحسسوا صفعات الكف السعودي بالأمس القريب ويعتبروا من ألمه، بل أداروا لها عوضاً عن ذلك بكل سخاء خدهم الأيسر، على رغم أنها لا تفوت فرصة اليوم لتثبت لهم أنها تهزأ بهم وبضحالة فكرهم السياسي، وتجعل منهم أدوات سُــخرة على عتبات مصالحها وأطماعها.
لا نتحدث هنا عن موقفها منهم في هذه الحرب التي تمر بعامها الخامس دون حصيلة، بل منذ إرهاصات هذه الحرب حين سارعت الرياض إلى إجهاض ثورة صنعاء لإنقاذ نظام صالح وأخرجت مبادرتها المعروفة بالمبادرة الخليجية، والتي أغفلت فيها عن عمد أية إشارة للقضية الجنوبية تحت ذريعة أنّ الأولية لنزع فتيل الأزمة ونقل السلطة. وها هي اليوم تكرر ذات الحيلة إزاء الجنوب، وتمرّر أهدافها وتحقق أطماعها تحت ذريعة جديدة، وهي أنّ الأولوية لإعادة الشرعية وإسقاط الانقلاب وقطع يد إيران باليمن. ومع ذلك فالسادية السياسية المستحكمة بالعقل الجنوبي حتى الإدمان والتلذذ بالسوط السعودي ما تزال تفعل فعلتها بالجسد الجنوبي المتعب.
على الرغم من تأكيدات المسؤولين السعوديين المتكررة، وفي مقدمتهم الحاكم بأمره السفير السعودي في اليمن، والذين يؤكدون فيها مرات أن لا شيء اسمه قضية جنوبية، ولا مكان للجنوب في الأجندة السعودية بالمطلق، ولو بالحدود الدنيا كـ "مشروع الدولة اليمنية بإقليمين"، والذي عبره يمكن تصحيح وضع الوحدة اليمنية وإعادة مؤشر بوصلة الثقة لدى الجنوبيين بيمن موحد عادل. وعلى الرغم من ذلك، هناك مِــن الجنوبيين، نُــخب وشخصيات وكيانات، ممن ما زال يراهن بسذاجة منقطعة النظير على المخلّص السعودي، ويعقدون على سرابه آمالهم.
لا نتحدث هنا عن الموقف السعودي تجاه الجنوب اليوم فقط، بل منذ عشرات السنين، فحرب 1994م التي راهنَ بها الجنوبيون على الموقف السعودي لتشدّ مِــن عضدهم وتنصرهم في ساعة العُسرة تلك، إلّا أنّها خذلتهم كالمعتاد، وهذا خير دليل على السياسة السعودية، وذلك رغم أن الرياض في الأصل لم تعطهم صراحة وعدا بتبني مشروعهم. فهي بالأصل لم تكن تريد من الحرب إلا تركيع صالح ومعاقبته بيد جنوبية لموقفه المنحاز للرئيس العراقي الراحل صدام حسين إبّان حرب الخليج الثانية، وانتقاما وعقابا للجنوبيين أنفسهم بأثر رجعي لخصومتها الدفينة من نظام عدن اليساري التحرري بالسنين الخوالي.
ولمّا قضت منهم في تلك الحرب (أقصد حرب 94) وطرها، سرعان ما أدارتْ لهم ظهر المجن كما هو ديدنها في مواقف كهذه، وتخلت عنهم تماماً حين طفقت تعيد ترميم علاقتها مع نظام علي عبدالله صالح لتنتزع منه هو الآخر في غفلة من الزمن موافقته البائسة على توقيع معاهدة ترسيم الحدود بين البلدين عام 2000، وتخليه عن جزء كبير من أرض ظلّت اليمن تدعي ملكيتها (عسير، جيزان، نجران)، وهذا التوقيع ظل بالنسبة للمملكة حــلما بعيد المنال حتى تلك اللحظة. ونظير ذلك المكسب التاريخي لم تجد السعودية غضاضة بأن تقايض صالح بوقف مساعداتها المالية "الفتات" التي كانت تمنحها للقيادات الجنوبية.
ليس هذا فحسب، بل سلّــمتْ معظم تلك القيادات بشكل مباشر أو غير مباشر لجلاديهم في صنعاء في واحدة من أبشع صور المقايضة، وأنصع معاني السقوط الأخلاقي والإنساني بتاريخ الدبلوماسية المعاصرة، مع أنّها رفضتْ استقبال كثير من تلك القيادات على أراضيها ونبذتهم بالأصقاع، مكتفية بإرسال فتاتها المالي لهم نهاية كل شهر. وهذه الحقيقة هي ما أدركها في الوقت الضائع الرئيس الجنوبي المهزوم علي سالم البيض، حين رفض اللجوء إلى الرياض، وظل بعيدا عنها، والخيبة المريرة تتملكه حتى الوجع، قبل أن يكرر مؤخرا، رهانه الخاسر على ذات الحصان السعودي الأعرج حين زار الرياض غداة هذه الحرب في إبريل/ نيسان 2015، قبل أن يكتشف الخديعة مرة أخرى، وغادر على إثرها سريعا إلى أبوظبي، لعل وعسى، أن يجد بهذه الأخيرة ما يطيّب خاطره فيها، وما زال هناك حتى اللحظة.
واليوم تعيد السعودية الكَــرّة ثانية، وهي مطمئنة البال لسذاجة هؤلاء القوم الذين لم يتحسسوا صفعات الكف السعودي بالأمس القريب ويعتبروا من ألمه، بل أداروا لها عوضاً عن ذلك بكل سخاء خدهم الأيسر، على رغم أنها لا تفوت فرصة اليوم لتثبت لهم أنها تهزأ بهم وبضحالة فكرهم السياسي، وتجعل منهم أدوات سُــخرة على عتبات مصالحها وأطماعها.
لا نتحدث هنا عن موقفها منهم في هذه الحرب التي تمر بعامها الخامس دون حصيلة، بل منذ إرهاصات هذه الحرب حين سارعت الرياض إلى إجهاض ثورة صنعاء لإنقاذ نظام صالح وأخرجت مبادرتها المعروفة بالمبادرة الخليجية، والتي أغفلت فيها عن عمد أية إشارة للقضية الجنوبية تحت ذريعة أنّ الأولية لنزع فتيل الأزمة ونقل السلطة. وها هي اليوم تكرر ذات الحيلة إزاء الجنوب، وتمرّر أهدافها وتحقق أطماعها تحت ذريعة جديدة، وهي أنّ الأولوية لإعادة الشرعية وإسقاط الانقلاب وقطع يد إيران باليمن. ومع ذلك فالسادية السياسية المستحكمة بالعقل الجنوبي حتى الإدمان والتلذذ بالسوط السعودي ما تزال تفعل فعلتها بالجسد الجنوبي المتعب.
على الرغم من تأكيدات المسؤولين السعوديين المتكررة، وفي مقدمتهم الحاكم بأمره السفير السعودي في اليمن، والذين يؤكدون فيها مرات أن لا شيء اسمه قضية جنوبية، ولا مكان للجنوب في الأجندة السعودية بالمطلق، ولو بالحدود الدنيا كـ "مشروع الدولة اليمنية بإقليمين"، والذي عبره يمكن تصحيح وضع الوحدة اليمنية وإعادة مؤشر بوصلة الثقة لدى الجنوبيين بيمن موحد عادل. وعلى الرغم من ذلك، هناك مِــن الجنوبيين، نُــخب وشخصيات وكيانات، ممن ما زال يراهن بسذاجة منقطعة النظير على المخلّص السعودي، ويعقدون على سرابه آمالهم.
مقالات أخرى
02 يوليو 2019
01 يونيو 2019
09 ابريل 2019