ترامب الملوِّث... إطلاق يد الشركات في تسميم الكوكب

20 يناير 2020
الاحتجاجات مستمرة ضدّ سياسات ترامب المناخية (مارك رالستون/فرانس برس)
+ الخط -

ممارسات الإدارة الأميركية في ظلّ الرئيس دونالد ترامب، تتسبب بكثير من الضرر في مجالات مختلفة. وفي ما خص المناخ تنتفض نصف ولايات البلاد ضدّ تلك الممارسات المدمرة.

تراجع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بمساعدة الجمهوريين في الكونغرس، عن 95 قاعدة وقانوناً ولائحة بيئية كان معمولاً بها في الولايات المتحدة الأميركية بمجالات عدة، من بينها الصناعية والزراعية ومستوى التلوث وجودة المياه والهواء وغيرها، بحسب بحوث أكاديمية صادرة عن كليتي الحقوق في جامعتي "هارفارد" و"كولومبيا" الأميركيتين. وتؤدي هذه الخطوات إلى خلق فراغ قانوني أو إداري يعطي الشركات اليد العليا في تلويث أكبر للبيئة من دون محاسبة. وتعتبر الخطوات التي اتخذتها إدارته خلال السنوات الثلاث الماضية انتكاسة جدية لجهود محاربة الاحتباس الحراري والتلوث البيئي، كما أنّ عدداً ملحوظاً من القيود التي رفعها ترامب كانت قيوداً ضرورية على صناعات الوقود الأحفوري.

وتسببت صناعة الوقود الأحفوري في تغييرات مناخية حادة. ومن أبرز مساوئ استخدامها تلوث الهواء والتسبب في الاحتباس الحراري والتسبب في ارتفاع درجة حرارة الأرض، ما يزيد من التصحر والجفاف في مناطق وارتفاع منسوب المياه في مناطق أخرى، وغيرها الكثير. وبحسب اتفاقية باريس للمناخ، فإنّ واحداً من العوامل الرئيسة لإحراز تقدم في مكافحة التغيير المناخي والاحتباس الحراري، هو العمل على الحدّ من استخدام الوقود الأحفوري، كما وضع القيود على الصناعات الملوثة للبيئة واستخدام طاقة نظيفة أو بديلة عنها.

وشكّل انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس للمناخ، التي تدخل حيز التنفيذ في الرابع من نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، صفعة لأيّ محاولة جدية لإنقاذ الأرض ومعها الولايات المتحدة. وذلك على الرغم من إعلان الدول الصناعية والنامية وغيرها أنّها ستستمر في التزاماتها في مكافحة التلوث البيئي والاحتباس الحراري. لكنّ تقارير الأمم المتحدة تشير إلى أنّ عدداً ملحوظاً من تلك الدول متخلفة عن تحقيق الأهداف الوطنية التي وضعتها لنفسها في هذا السياق. كذلك، ظهر التأثير السلبي للموقف الأميركي على بقية الدول، خصوصاً الصين، إذ تشكل الدولتان معاً أكبر اقتصادين في العالم وأكبر ملوثين للبيئة، عندما لم تنجح قمة مدريد للمناخ "كوب 25"، التي عقدت في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، في إحراز نتائج ملموسة لرفع سقف الالتزامات لمواجهة تحديات المناخ وتخفيض انبعاثات غازات الدفيئة، ودعم الدول الفقيرة الأكثر تضرراً من التلوث البيئي.

دعماً للمناخ في كاليفورنيا (فرانس برس) 

يعقد البعض الأمل على عدم إعادة انتخاب ترامب لولاية ثانية، وبذلك يمكن للولايات المتحدة العودة والانضمام إلى الاتفاقية. لكن، ما زالت شعبيته عالية في صفوف الناخبين في قاعدته اليمينية وفي الحزب الجمهوري. وهكذا، ينعقد الأمل على استمرار الولايات برفض تنفيذ السياسات الجديدة، وأن تستمر المنظمات المعنية بالضغط واتخاذ خطوات تحدّ من قدرة الرئيس الأميركي وسياساته في التسبب بمزيد من التلوث البيئي. ولعلّ أبزر الجهود للتصدي لسياسات ترامب وإدارته تأتي على مستوى الولايات الأميركية، وهي التي تتمتع باستقلالية كبيرة، فلها مجالسها وقوانينها واقتصاداتها وأنظمتها الضريبية، لكنّها تبقى في مجالات معينة، ولا تتعدى صلاحيات الحكومة الفدرالية. وأبرز الولايات التي تتحدى سياسات ترامب هي كاليفورنيا باقتصادها الأقوى والأكبر في الولايات المتحدة، والذي يحتل المرتبة الخامسة عالمياً. وبهذه المرتبة تسبق ولاية كاليفورنيا من ناحية قوة اقتصادها دولاً كالهند وفرنسا وحتى كندا التي تأتي في المرتبة العاشرة عالمياً.

تقود كاليفورنيا تحالفاً داخل الولايات المتحدة وأراضيها لمحاربة سياسات ترامب الملوثة للبيئة. ويطلق على التحالف اسم "التحالف من أجل المناخ في الولايات المتحدة"، ويتكون من أربع وعشرين ولاية بالإضافة إلى بورتوريكو، الإقليم الكاريبي التابع للولايات المتحدة. يعمل التحالف على محاربة التغير المناخي والتلوث البيئي. ويعيش في أراضي هذا التحالف نحو خمسين في المائة من سكان الولايات المتحدة، ويشكل اقتصادياً 55 في المائة من الاقتصاد الوطني الأميركي.



أسست الولايات تحالفها بعد انتخاب ترامب وإعلانه عن نيته الانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ بعد بضعة أشهر من توليه منصبه عام 2017. واللافت أنّ التحالف لا يضم فقط حكام ولايات من الحزب الديمقراطي بل كذلك من الحزب الجمهوري. وبحسب وثيقة التحالف، فقد وضعت هذه الولايات خطوات محدودة وعملية لتخفيض انبعاثات غازات الدفيئة بما يتوافق مع أهداف اتفاقية باريس للمناخ. كذلك، تعمل على خلق مصادر طاقة وتكنولوجيا نظيفة ومتجددة، بالإضافة إلى العمل على الوصول لاقتصاد خال من الكربون، وإبقاء متوسط ارتفاع درجة حرارة الأرض أقلّ من درجتَين مئويتَين. وبحسب اتفاقية باريس للمناخ، فإنّ هذه الخطوات تؤدي إلى تقليص انبعاثات غازات الدفيئة من 40 إلى 70 في المائة بحلول عام 2050. وتعود أهمية تلك الخطوات كذلك إلى أنّها تؤدي إلى التخلي تدريجياً عن الوقود الأحفوري وغيره من المسببات الرئيسة للتلوث البيئي والاحتباس الحراري.

ويأمل هؤلاء بأن تؤدي الإجراءات المحلية إلى ضمان استمرار الولايات المتحدة في المساهمة في الجهد العالمي للتصدي لتغير المناخ على الرغم من سياسات ترامب. وحددت تلك الولايات الـ24، من أصل 50 ولاية أميركية، ثلاثة مبادئ تفاهم تعمل عليها عن طريق سنّ القوانين والسياسات والممارسات على الأرض. ويتعلق الأول بإدراك وإقرار المسؤولين بأنّ التغير المناخي يمثل تهديداً خطيراً على البيئة والسكان والمجتمعات والاقتصاد. ثانياً، أنّ التعاون بين الولايات حول المناخ يعود بالفائدة على اقتصاداتها ويقوّي مجتمعاتها. وتعمل تلك الولايات على الاستثمار في الطاقة النظيفة وخلق وظائف جديدة في الوقت الذي تعمل فيه على تخفيض نسبة التلوث المناخي وتحسين الصحة العامة. ثالثاً، على الرغم من قرار الحكومة الأميركية الفيدرالية الانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ، فإن ولايات التحالف ملتزمة بدعم الاتفاقية، وتعمل على اتخاذ خطوات وإجراءات مناخية قوية لإحراز تقدم نحو تحقيق أهدافها. وتلتزم كلّ واحدة من تلك الولايات بعدد من الأمور، أبرزها تنفيذ عدد من السياسات تعزز أهداف اتفاقية باريس للمناخ بهدف تخفيض انبعاثات غازات الدفيئة بنسبة تراوح بين 26 و28 في المائة على الأقل، إلى ما دون مستويات عام 2005، وذلك بحلول عام 2025.

تحرك ضد ترامب في ألمانيا (Getty)

وعلى سبيل المثال، أقرت ولاية نيفادا، وهي واحدة من الولايات في التحالف، مشروع قانون يؤدي إلى اعتماد الولاية بحلول عام 2030 على مصادر الطاقة المتجددة لحوالي خمسين في المائة من الكهرباء. أما ولاية مينيسوتا، فأقرت عدداً من القوانين والإجراءات تجعلها وبحلول عام 2050 تعتمد بنسبة مئة بالمئة على مصادر طاقة نظيفة للكهرباء. كذلك، حظر عدد من الولايات، وهي نيويورك وكاليفورنيا وهاواي، استخدام المبيدات الزراعية، التي يربط الخبراء استخدامها واسع الانتشار بمشاكل في الجهاز العصبي عند الأطفال. وتحارب إدارة ترامب تلك الخطوات وخطوات أخرى اتخذتها ولايات كنيوجيرسي وميشيغان، تتعلق بتلوث المياه والمركبات الكيميائية المستخدمة وتقييد استخدامها وحماية مياه الشرب. وترى تلك الولايات أنّه لم يعد من الممكن الاعتماد على وكالة حماية البيئة الفيدرالية وانتظار أن تتحرك لاتخاذ الإجراءات الملائمة وحماية مياه الشرب من المركبات الكيميائية.

كذلك، تحاول إدارة ترامب استهداف ما تقوم به الولايات بعدد من الخطوات، من بينها رفع الحكومة الفيدرالية دعوى قضائية ضد حكومة ولاية كاليفورنيا في شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، تدعي فيها أنّ اتفاقية تجارية بين ولاية كاليفورنيا ومقاطعة كيبيك في كندا غير دستورية وتفوق صلاحيات كاليفورنيا وتعيق قدرة الحكومة الفيدرالية على التفاوض. وتتعلق تلك الاتفاقية بالتبادل التجاري وتخفيض نسبة التلوث وانبعاثات غازات الدفيئة من السيارات. لكنّ الجدير بالذكر في هذه القضية أنّ العمل جارٍ بين الطرفين منذ ست سنوات، بل تعود جذوره إلى عام 2007 وإلى مبادرة بدأت داخل الولايات المتحدة بين عدد من ولاياتها تعرف باسم "مبادرة المناخ الغربية"، ثم تطورت لتشمل عدداً من الولايات الأميركية والكندية.



وهدد ترامب ولاية كاليفورنيا، وولايات أخرى، في أكثر من مناسبة، بحجب أموال فيدرالية من حقها. ومن بين تلك التهديدات حجب مساعدات الطوارئ الفيدرالية بعد الحرائق التي اجتاحت مناطق واسعة من كاليفورنيا وأدت إلى مقتل وجرح المئات. وتستمر تلك الحرب بين الولايات المختلفة وترامب، إذ رفع عدد منها كذلك قضايا ضد الحكومة الفيدرالية على أكثر من جبهة.
المساهمون